الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ومنها أن يروي عنه من لا يروي عن غير العدل ، كيحيى بن سعيد القطان ، وشعبة ، ومالك ، فإنه يكون تعديلا ، على المختار عند إمام الحرمين ، وابن القشيري ، والغزالي ، والآمدي ، والهندي ، والباجي وغيرهم لشهادة ظاهر الحال ، وإليه ذهب البخاري ، ومسلم في صحيحيهما وقال المازري : هو قول الحذاق ، وهذا على قولنا : لا حاجة لبيان سبب التعديل ، فإن روى عنه من لم يشترط الرواية عن العدل ، فليس بتعديل . لأنا رأيناهم يروون عن أقوام ، ويجرحونهم لو سئلوا عنهم . [ ص: 172 ]

                                                      قال ابن دقيق العيد : نعم ، هاهنا أمر آخر وهو النظر في الطريق التي منها يعرف كونه لا يروي إلا عن عدل ، فإن كان ذلك بتصريحه فهو أقصى الدرجات ، وإن كان ذلك باعتبارنا بحاله في الرواية ، ونظرنا إلى أنه لم يروه من عرفناه إلا عن عدل ، فهذا دون الدرجة الأولى . وهل يكتفى بذلك في قبول روايته عمن لا نعرفه ؟ فيه وقفة لبعض أصحاب الحديث ممن قارب زماننا زمانه ، وفيه تشديد . ا هـ . وقال المازري : نعرف ذلك من عادته ، وقال إلكيا الطبري : يعرف ذلك بإخباره صريحا ، أو عرفناه بالقرائن الكاشفة عن سيرته . قال : وجرت عادة المحدثين في التعديل أن يقولوا : فلان عدل ، روى عنه مالك ، أو الزهري ، أو هو من رجال الموطإ ، أو من رجال الصحيحين . والتحقيق في هذا أنه إن جرت عادته بالرواية عن العدل وغيره فليست روايته تعديلا ، وكذلك إذا لم يعلم ذلك من حاله ، فإن من الممكن روايته عن رجل لم يعتقد عدالته ، حتى إذا استقرى أحواله ، وعرف عدالته ببينة ، فلا يظهر بذلك عدالة المروي عنه ، وإن اطردت عادته بالرواية عمن عدله ، ولا يروي عن غيره أصلا ، فإن لم يعلم مذهبه في التعديل ، فلا يلزمنا اتباعه ; لأنه لو صرح بالتعديل لم يقبل ، فكيف إذا روي ، وإن علمنا مذهبه في التعديل ، ولم يكن موافقا لمذهبنا ، لم يعتمد تعديله وروايته عنه ، وإن كان موافقا عمل به . ا هـ .

                                                      وقيل : الرواية تعديل مطلقا ; لأنه لو كان عنده غير عدل لكان روايته عنه مع السكوت عبثا . وظاهر العدل التقي الاحتراز عن ذلك ، حكاه الخطيب وغيره ، ثم قال : وقد لا يعلمه بعدالة ولا جرح ، وحكاه أبو الحسين بن القطان ، وابن فورك عن القاضي إسماعيل بن إسحاق في هذا ، وفي الشهادة على الشهادة أنه يجوز ، وإن لم يذكره بالعدالة ; لأن الظاهر أنه على العدالة ، حتى يعلم خلافها ، قالا : وهذا غلط ; لأنه يجوز [ ص: 173 ] أن يكون عنده عدلا ، وعند غيره ليس بعدل ، وقيل : ليس بتعديل مطلقا ، كما أن تركها ليس بجرح ، وبه جزمالماوردي والروياني وأبو الحسين بن القطان في كتابه ، وحكي عن أكثر أهل الحديث ، وقال القاضي في " التقريب " : إنه قول الجمهور ، وإنه الصحيح . قال : والأقرب فيه رواية العدل الواحد عنه ، أو رواية العدول الكثير في أنها غير تعديل له . قلت : ويخرج من تصرف البزار في مسنده " التعديل إذا روى عنه كثير من العدول ، فوجب إثبات قول بالتفصيل .

                                                      فائدة : [ المحدثون الذين لا يروون إلا عن عدول ] ذكر ابن عبد البر الذين عادتهم لا يروون إلا عن عدول ثلاثة : شعبة ، ومالك ، ويحيى بن سعيد ، وذكر الخطيب عن عبد الرحمن بن مهدي ذلك ، وذكره البيهقي وزاد عليه : مالك ، ويحيى . قال : وقد يوجد في رواية بعضهم الرواية عن بعض الضعفاء لخفاء حاله ، كرواية مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية