الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      قال : وأشار إلى قوة مراسيل كبار التابعين على مراسيل من دونهم ، ثم ذكر أنه لا يثبت الحجة بالمنقطع ثبوتها بالمتصل ، فدل على أن أصل المراسيل عنده ضعيف ، ومشهور على لسان الموافق والمخالف تضعيفه للمراسيل ، والوجه في تضعيفه ما أومأنا إليه من جهالة الواسطة . انتهى كلام القفال . وقال الماوردي في باب النفقة من الحاوي " إن مرسل أبي سلمة بن عبد الرحمن عند الشافعي حسن ، وأن المرسل الذي حصلت فيه هذه الشواهد أو بعضها يسوغ الاحتجاج به ، ولا يلزم لزوم الحجة بالمتصل ، وكأنه - رضي الله عنه - يسوغ الاحتجاج به ، ولم ينكر على من خالفه . قال البيهقي في المعرفة " : لم نجد حديثا ثابتا متصلا خالفه جميع أهل العلم إلا أن يكون منسوخا ، وقد وجدنا مراسيل أجمع أهل العلم على خلافها ، وذكر منها حديث محمد بن المنكدر الآتي قريبا ، وظن القاضي أبو بكر [ ص: 364 ] في كتاب التقريب " أن الشافعي أراد بالاستحباب قسيم الوجوب . قال : فقد نص على أن القبول عند تلك الشروط مستحب غير واجب . انتهى . وليس كما قال ، بل مراد الشافعي بالاستحباب أن الحجة فيها ضعيفة ، وليست بحجة المتصل ، فإذا انتهضت الحجة ، وجب الأخذ لا محالة ، فإذا عارضه متصل كانت التقدمة مقدمة عليه ، إذ ليست الأدلة ما يكون الأخذ به مستحبا أبدا ، ولكن فيها ما يتفاوت ، وينفع ذلك عند التعارض . وقال الربيعي في " المدخل " قول الشافعي : وأحببنا أن تقبل مرسله ، أراد به : اخترنا ، ويوافقه قول القفال في شرح التلخيص " في باب اللقطة : إن الشافعي يقول : أحب وأريد به الإيجاب ، وزعم الماوردي أن الشافعي يحتج بالمرسل ، إذا لم يوجد دلالة سواه . وقال الخطيب البغدادي في الكفاية " : الصحيح أنه لا فرق بين مرسل سعيد وغيره من التابعين ، وإنما رجح الشافعي به ، والترجيح بالمرسل صحيح ، وإن لم يكن حجة بمفرده .

                                                      التاسع : أن المرسل العاري من هذه الاعتبارات والشواهد التي ذكرها ليس بحجة عنده . ولهذا قال أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا ، فيريد أن يأخذ مالي فيطعم عياله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك } . قال الشافعي : محمد بن المنكدر غاية في الثقة والفضل ، والدين والورع ، ولكن لا ندري عمن قبل هذا الحديث . [ ص: 365 ] العاشر : أن مأخذ رد المرسل عنده إنما هو احتمال ضعف الواسطة ، وأن المرسل لو سماه لبان أنه لا يحتج به ، وعلى هذا المأخذ فإذا كان المعلوم من عادة المرسل أنه لم يسم إلا ثقة ، ولم يسم مجهولا ، كان مرسله حجة ، وإن كان يروي عن الثقة وغيره فليس بحجة ، وقد صرح الشافعي بهذا المعنى في غير موضع ، فقال - وذكر حديث الزهري في الضحك في الصلاة مرسلا - قال : يقولون : يحابي ، ولو حابينا حابينا الزهري ، وإرسال الزهري ليس بشيء ، وذاك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم ، وهذا أعدل الأقوال في المسألة ، وهو مبني على أصل ، وهو أن رواية الثقة عن غيره ، هل هي تعديل أم لا ؟ وفيه خلاف ، والصحيح التفصيل ، وهو أن الثقة إن كان من عادته أنه لا يروي إلا عن ثقة كانت تعديلا وإلا فلا ، كما سبق ، ومن هنا ظن جماعة أن العلة في قبول الشافعي لمرسل سعيد كونه اعتبرها فوجدها مسانيد ، وليس كذلك ، وإلا كان الاحتجاج حينئذ بالمسند فيها ، ويجيء اعتراض القاضي السابق ، ولكن لما كان حال صاحبها أنه لا يروي إلا عن ثقة ، حمل هذا المرسل على ما عرف من عادته صحيح به ، ولهذا تقبل مراسيل الصحابة ، وإن احتمل كونه عن تابعي ، لأن الغالب أنهم لا يروون إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن صحابي ، لا سيما حالة الإطلاق فحمل على الغالب .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية