الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ كتابة الشيخ إلى غيره ] الثالثة : أن يكتب الشيخ إلى غيره : سمعت من فلان كذا ، فللمكتوب إليه إذا علم خطه ، أو ظنه ، بأن أخبره عدل بأنه خطه ، أو شاهده يكتب . أن يعمل به ويرويه عنه ، إذا اقترنت الكتابة بلفظ الإجازة ، بأن قال : أجزت لك ما كتبته إليك ، فإن تجردت الكتابة فأجاز الرواية بها كثير من المتقدمين ، وبالغ أبو المظفر بن السمعاني فقال : إنها أقوى من الإجازة ، وظاهر كلام إلكيا الطبري أنه بمنزلة السماع . قال : لأن الكتاب أحد اللسانين ، وكان صلى الله عليه وسلم يبلغ بالكتاب الغائب ، وبالخطاب الحاضر . قال : ولو بعث إليه رسولا وأخبره بالحديث ، حلت له الرواية ; لأن الرسول ينقل [ ص: 322 ] كلام المرسل ، فكان بمنزلة الكتاب ، بل أوثق منه ; لأنه لا ينطق بما فيه ، والرسول ناطق ، وكان عليه السلام يكتب إلى عماله تارة ويرسل أخرى ، وقال الصيرفي : كان مالك يكتب إلى الرجل بالبلد الآخر : قد كتبت كتابي هذا ، وختمته بخاتمي ، فاروه عني .

                                                      وقال أبو الحسين بن القطان : منهم من قال : إذا ورد عليه كتابه ، ووقع في نفسه صحة ذلك عمل به ، وقيل : لا بد أن يثبت شهادة شاهدين على شرط كتاب القاضي ، ويصير كأن الشاهدين هما الواسطة في ذلك . وقال البيهقي في " المدخل " : الآثار في هذه كثيرة عن التابعين ، والاتباع لمن بعدهم ، وفيها دلالة على أن جميع ذلك واسع عندهم ، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عماله بالأحكام شاهدة لقولهم . ا هـ . قال : إلا أن ما سمعه من الشيخ فوعاه ، أو قرئ عليه وأقر به فحفظه ، يكون أولى بالقبول مما كتب به إليه لما يخاف على الكتاب من التغيير والإحالة ا هـ . وكيفية الرواية أن يقول : كتب إلي ، وأخبرني كتابة ، لأن الكاتب قد ذكر الإخبار في كتابه فلا بأس بقوله أخبرنا . وجوز الإمام فخر الدين الرازي قوله : أخبرني مجردا عن قوله كتابة لصدق ذلك لغة ، وجرى عليه ابن دقيق العيد في " شرح العنوان " . قال : وأما تقييده بكتابة فينبغي أن يكون هذا أدبا ; لأن القول إذا كان مطابقا جاز إطلاقه ، ولكن العمل مستمر على ذلك عند الأكثرين فهي بين كونه كتابة وإجازة .

                                                      وجوز الليث بن سعد إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالكتابة والمختار [ ص: 323 ] خلافه ، وقال البيهقي : المجوزون للكتابة توسع فيه بعضهم فجوز أن يقول : أخبرني ، وحدثني ، كما في القراءة والسماع ، وشرط آخرون هنا التعيين استعمالا للصدق في الرواية . هذا كله تفريع على جواز الرواية بالكتابة . ونقل القاضي عياض أن الذي عليه الجمهور من أرباب النقل وغيرهم جواز الرواية لأحاديث الكتابة ، ووجوب العمل بها ، وأنها داخلة في المسند ، وذلك بعد ثبوت صحتها عند المكتوب إليه بها ووثوقه بأنها عن كاتبها . ومنع قوم من الرواية بها ، منهم الماوردي والروياني ، قالا : وأما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت ترد على يد مرسله ، فيعول على خبرهم ، وممن نقل عنه إنكار قبولها أبو الحسن الدارقطني الحافظ . وقال إمام الحرمين في " النهاية " : كل كتاب لم يذكره حامله فهو مرسل ، والشافعي لا يرى التعلق بالمرسل ، وإليه أشار الغزالي أيضا ، فقال : لأن روايته شهادة عليه بأنه قاله ، والخط لا يعرفه . نعم ، له أن يقول رأيته مكتوبا في كتاب بخط ظننت أنه خط فلان ، فإن الخط يشبه الخط . فإن عرف أنه خطه قطعا بأن سمع منه يقول : هذا خطي أو بطريق آخر ، فإنه مع ذلك لا يجوز له أن يروي عنه ما لم يسلطه على الرواية بصريح قوله ، أو قرائن تفيد ذلك ، كالجلوس لرواية الحديث ; لأنه يجوز أن يكون قد سمعه ، ثم يتشكك فيه ، ولا يرى روايته عنه ، فإنه ليس كل ما سمعه الإنسان ، فإنه يرى نقله عنه ، ومعه كيف تجوز الرواية ؟ . وأما الإمام فخر الدين وأتباعه من الأصوليين ، فإنهم جوزوا العمل به ، [ ص: 324 ] وأن يقول : أخبرني في روايته عنه ، ولا يقول : سمعت ولا حدثني ، وقد جمع الهندي بين هذا وكلام الغزالي بأن كونه كتب إليه قرينة دالة على التسليط على الرواية عنه عند الإمام ، والغزالي يمنع ذلك ، والأول أولى ، إذ لا فائدة في أن يكتب إليه ذلك ، فإن مجرد الإخبار عن ذلك ، مما لا فائدة له . وبالمنع جزم الآمدي أيضا . هذا كله في غير الأكمه ، فأما الأكمه مثل قتادة ، فالمنع فيه أقوى .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية