الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن وقف على عقبه ، أو ولد ولده ، أو ذريته : دخل فيه ولد البنين ) بلا نزاع في " عقبه " أو " ذريته " . وأما إذا وقف على ولده وولد ولده : فهل يشمل أولاد الولد الثاني ، والثالث ، وهلم جرا ؟ . تقدم عن القاضي والمصنف والشارح وغيرهم : أنه لا يشمل غير المذكورين .

وقوله ( ونقل عنه : لا يدخل فيه ولد البنات ) . إذا وقف على ولد ولده ، أو قال " على أولاد أولادي وإن سفلوا " . فنص الإمام أحمد رحمه الله في رواية المروذي : أن أولاد البنات لا يدخلون . وهو المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . قال في الهداية ، والمستوعب : وإن وصى لولد ولده ، فقال أصحابنا : لا يدخل فيه ولد البنات . لأنه قال في الوقف على ولد ولده : لا يدخل فيه ولد البنات . قال الزركشي : مفهوم كلام الخرقي : أنه لا يدخل ولد البنات . وهو أشهر الروايات . واختاره القاضي في التعليق ، والجامع ، والشيرازي ، وأبو الخطاب في خلافه الصغير . انتهى . قال في الفروع : لم يشمل ولد بناته إلا بقرينة . اختاره الأكثر . [ ص: 80 ] وجزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والفروع . وصححه في تجريد العناية . قال في الفائق : اختاره الخرقي ، والقاضي ، وابن عقيل ، والشيخان يعني بهما : المصنف ، والشيخ تقي الدين وهو ظاهر ما قدمه الحارثي . ونقل عنه في الوصية : يدخلون . وذهب إليه بعض أصحابنا . وهذا مثله .

قلت : بل هي هنا رواية منصوصة من رواية حرب . قال في القواعد : ومال إليه صاحب المغني . وهي طريقة ابن أبي موسى ، والشيرازي . قال الشارح : القول بأنهم يدخلون : أصح وأقوى دليلا . وصححه الناظم . واختاره أبو الخطاب في الهداية في الوصية وصاحب الفائق . وجزم به في منتخب الأدمي . وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وغيرهم . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وأطلقهما في القواعد الفقهية . وقال أبو بكر ، وابن حامد : يدخلون في الوقف ، إلا أن يقول " على ولد ولدي لصلبي " فلا يدخلون . وهي رواية ثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله . قال في المذهب : فإن قال " لصلبي " لم يدخلوا وجها واحدا . قال في المستوعب ، والتلخيص : فإن قيد فقال " لصلبي " أو قال " من ينتسب إلي منهم " فلا خلاف في المذهب : أنهم لا يدخلون . وحكى القاضي عن أبي بكر ، وابن حامد : إذا قال " ولد ولدي لصلبي " أنه يدخل فيه ولد بناته لصلبه . لأن بنت صلبه : ولده حقيقة ، بخلاف ولد ولدها . [ ص: 81 ] قال الحارثي : وقول الإمام أحمد رحمه الله " لصلبه " قد يريد به ولد البنين ، كما هو المراد من إيراد المصنف عن أبي بكر . فلا يدخلون ، جعلا لولد البنين . ولد الظهر ، وولد البنات ولد البطن . فلا يكون نصا في المسألة . وقد يريد به ولد البنت التي تليه . فيكون نصا . وهو الظاهر . انتهى .

وفي المسألة قول رابع : بدخول ولد بناته لصلبه ، دون ولد ولدهن . تنبيه :

ما تقدم من الخلاف : إنما هو فيما إذا وقف على ولد ولده ، أو قال " على أولاد أولادي " . وكذا الحكم ، والخلاف ، والمذهب إذا وقف على عقبه أو ذريته ، كما قال المصنف ، عند جماهير الأصحاب . وممن قال بعدم الدخول هنا : أبو الخطاب ، والقاضي أبو الحسين . وابن بكروس . قاله الحارثي . وقال : قال مالك بالدخول في " الذرية " دون " العقب " وبه أقول . وكذلك القاضي في باب الوصايا من المجرد وابن أبي موسى ، والشريفان أبو جعفر ، والزيدي وأبو الفرج الشيرازي . قالوا : بعدم الدخول في " العقب " انتهى . قال في الفروع بعد أن ذكر ولد ولده وعقبه وذريته وعنه : يشملهم غير ولد ولده . وقال في التبصرة : يشمل الذرية ، وأن الخلاف في ولد ولده .

تنبيهان .

الأول : حكى المصنف هنا عن أبي بكر ، وابن حامد ، أنهما قالا : يدخلون في الوقف ، إلا أن يقول " على ولد ولدي لصلبي " . وكذا حكاه عنهما أبو الخطاب في الهداية . وكذا حكاه القاضي عنهما فيما حكاه صاحب المستوعب ، والتلخيص . [ ص: 82 ] وحكى المصنف في المغني ، والشارح ، والقاضي في الروايتين : أن أبا بكر ، وابن حامد : اختارا دخولهم مطلقا ، كالرواية الثانية . وقال ابن البنا في الخصال : اختار ابن حامد : أنهم يدخلون مطلقا . واختار أبو بكر : يدخلون ، إلا أن يقول " على ولد ولدي لصلبي " . قال الزركشي : وكذا في المغني القديم فيما أظن .

الثاني : محل الخلاف : مع عدم القرينة . أما إن كان معه ما يقتضي الإخراج : فلا دخول بلا خلاف . قاله الأصحاب . كقوله " على أولادي ، وأولاد أولادي المنتسبين إلي " ونحو ذلك . وكذا إن كان في اللفظ ما يقتضي الدخول . فإنهم يدخلون . بلا خلاف . قاله الأصحاب . كقوله " على أولادي ، وأولاد أولادي ، على أن لولد الإناث : سهما ، ولولد الذكور سهمين " أو " على أولادي فلان وفلان ، وفلانة ، وأولادهم . وإذا خلت الأرض ممن يرجع نسبه إلي من قبل أب أو أم : فللمساكين " أو " على أن من مات منهم فنصيبه لولده " ونحو ذلك . ولو قال " على البطن الأول من أولادي ، ثم على الثاني ، والثالث ، وأولادهم " والبطن الأول بنات : فكذلك يدخلون . بلا خلاف . فوائد .

الأولى : لفظ " النسل " كلفظ " العقب ، والذرية " في إفادة ولد الولد . قريبهم وبعيدهم . وكذا دخول ولد البنات وعدمه عند أكثر الأصحاب . قال القاضي في المجرد : لا يدخل ولد البنات . كما قال في " العقب " وهو اختيار السامري . وذكر أبو الخطاب خلافه . أورده في الوصايا . [ ص: 83 ]

الثانية : لو قال " على بني بني " أو " بني بني فلان " " فكأولاد أولادي وأولاد أولاد فلان " . وأما ولد البنات : فقال الحارثي : ظاهر كلام الأصحاب هنا : أنهم لا يدخلون مطلقا .

الثالثة : " الحفيد " يقع على ولد الابن والبنت ، وكذلك " السبط " ولد الابن والبنت .

الرابعة : لو قال الهاشمي " على أولادي وأولاد أولادي الهاشميين " لم يدخل من أولاد بنته من ليس هاشميا . والهاشمي منهم في دخوله وجهان . ذكرهما المصنف وغيره . وبناهما القاضي على الخلاف في أصل المسألة . ثم قال المصنف : أولاهما الدخول ، معللا بوجود الشرطين : وصف كونه من أولاد أولاده ، ووصف كونه هاشميا .

والوجه الثاني : عدم الدخول . وأطلقهما الحارثي ، وصاحب الفائق . قال الحارثي : ولو قال " على أولادي وأولاد أولادي المنتسبين إلى قبيلتي " فكذلك .

الخامسة : تجدد حق الحمل : بوضعه من ثمر ، وزرع كمشتر . نقله المروذي . وجزم به في المغني ، والشرح ، والحارثي . وقال : ذكره الأصحاب في الأولاد . وقدمه في الفروع . ونقل جعفر : يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد ، ومن نخل لم يؤبر . فإن بلغ الزرع الحصاد ، أو أبر النخل : لم يستحق منه شيء . وقطع به في المبهج والقواعد . وقال : وكذلك الأصحاب صرحوا بالفرق بين المؤبر وغيره هنا . منهم ابن أبي موسى ، [ ص: 84 ] والقاضي . وأصحابه . معللين بتبعية غير المؤبر في العقد . فكذا في الاستحقاق . وقال في المستوعب : يستحق قبل حصاده . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : الثمرة للموجود عند التأبير أو بدو الصلاح . قال في الفروع : ويشبه الحمل : إن قدم إلى ثغر موقوف عليه ، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه . نقله يعقوب . وقياسه : من نزل في مدرسة ونحوه . وقال ابن عبد القوي : ولقائل أن يقول : ليس كذلك . لأن واقف المدرسة ونحوها جعل ريع الوقف في السنة . كالجعل على اشتغال من هو في المدرسة عاما . فينبغي أن يستحق بقدر عمله من السنة من ريع الوقف في السنة . لئلا يفضي إلى أن يحضر الإنسان شهرا مثلا فيأخذ مغل جميع الوقف . ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهور العشرة . فلا يستحق شيئا . وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقاصدها انتهى . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يستحق بحصته من مغله . وقال : من جعله كالولد فقد أخطأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية