الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذ قد مضى الكلام في وطء الأب جارية ابنه ، ووطء الابن جارية أبيه قد ذكر ما يجب على كل واحد منهما من إعفاف صاحبه .

                                                                                                                                            أما الابن فلا يجب على الأب إعفافه وإن وجبت عليه نفقته : لأن نفقة الابن بعد الكبر مستصحبة لحال الصغر التي لا يراعى فيها الإعفاف ، فاستقر فيه حكم ما بعد الكبر اعتبارا بحال الصغر ، فأما الأب فوجوب إعفافه على الابن معتبر بوجوب نفقته عليه ، فإن كان الأب موسرا لم تجب عليه نفقته ولا إعفافه ، وإن كان معسرا نظر فإن كان عاجزا عن الكسب بزمانة أو هرم ، وجبت نفقته . وإن كان قادرا عليه ، ففي وجوب نفقته قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : تجب اعتبارا بفقره .

                                                                                                                                            والثاني : لا تجب اعتبارا بقدرته .

                                                                                                                                            فإن لم تجب نفقة الأب لم يجب إعفافه ، وإن وجبت نفقته ، فإن لم يكن به إلى الزوجة حاجة لضعف شهوته لم يجب على الابن تزويجه ، وإن كان محتاجا إلى النكاح لقوة شهوته ففي وجوب إعفافه على الابن قولان :

                                                                                                                                            أحدهما - نقله ابن خيران وتأوله غيره من كلام المزني هاهنا - : أنه لا يجب إعفافه وإن وجبت نفقته . وبه قال أبو حنيفة ، اعتبارا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : بالابن ، في أن وجوب نفقته لا تقتضي وجوب إعفافه لو احتاج .

                                                                                                                                            والثاني : بالأم ، في أن وجوب نفقتها لا تقتضي وجوب إعفافها لو احتاجت .

                                                                                                                                            وإن كان إعفافه معتبرا بالطرف الأدنى سقط بالابن ، وإن كان معتبرا بالطرف الأعلى سقط بالأم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه في " الدعوى والبينات " وهو اختيار جمهور أصحابنا أن إعفافه واجب كنفقته : لعموم قوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفا [ لقمان : 15 ] وإنكاحه من المعروف ، ولأنه لما وقيت نفس الأب بنفس الابن ، فلم يقتص من الأب بالابن ، فأولى أن توقى نفسه بمال الابن في وجوب إعفافه على الابن ، وبهذا المعنى فرقنا بينه وبين الابن في [ ص: 184 ] الإعفاف للافتراق بينهما في القصاص ، فأما الفرق بين الأب والأم في الإعفاف : هو أن إعفاف الأب إلزام ، فوجب على الابن ، وإعفاف الأم اكتساب فلم يجب على الابن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية