الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإذا اجتمع النكاح وملك اليمين في أختين ، أو أمة وعمتها أو خالتها ، فالنكاح ثابت لا يفسخه ملك اليمين ، كان قبل أو بعد ، وحرم بملك اليمين : لأن النكاح يثبت حقوقا له وعليه ، ولو نكحهما معا انفسخ نكاحهما ، ولو اشتراهما معا ثبت ملكهما ، ولا ينكح أخت امرأته ويشتريها على امرأته ، ولا يملك امرأته غيره ، ويملك أمته غيره ، فهذا من الفرق بينهما .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضى الكلام في الجمع بين أختين بعد نكاح في الجمع بينهما بملك اليمين ، فأما إن جمع بينهما في أن عقد على أحدهما نكاحا ، واستمتع بالأخرى بملك اليمين فهو حرام : لأنه جمع بين أختين ، وإن اختلف سبب الجمع بينهما : وإذا كان كذلك لم يخل من أن يتقدم عقد النكاح على الاستمتاع بملك اليمين أو يتأخر عنه ، فإن عقد النكاح ثم استمتع بها بعده ، فالحكم في الحالين سواء إذا كان الاستمتاع بعد عقد النكاح سواء تقدم الملك قبل العقد أو تجدد بعده فالنكاح ثابت ووطؤه للأخت محرم ، ولا تأثير له في العقد المتقدم : لاستقراره قبل الوطء المحرم ، وإن تقدم الاستمتاع على النكاح كان ملك أمة استمتع بها ثم تزوج عليها أختها قبل تحريمها ، فمذهب الشافعي : أن النكاح ثابت ، وإن تأخر كثبوته لو تقدم ، ويحرم به الموطوءة بملك اليمين ، وقال مالك : النكاح باطل ، والموطوءة بملك اليمين حلالا : استدلالا بأن الأمة قد صارت بالوطء فراشا كما تصير بعد النكاح فراشا ، وحرم دخول أختها عليها في الحالين ، فلما كان لو صارت فراشا بالعقد بطل نكاح أختها عليها ، ووجب إذا جاءت فراشا بالملك أن يبطل نكاح أختها عليها لكونها في الحالين فراشا .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أن الفراش بعقد النكاح أقوى منه بملك اليمين لأربعة معان :

                                                                                                                                            أحدها : أن فراش المنكوحة ثبت بثبوت العقد ، ولا يثبت فراش الأمة بثبوت الملك ، [ ص: 212 ] والملك قد يرتفع فراش الأمة باستبرائها مع بقاء الملك ، ولا يرتفع فراش المنكوحة مع بقاء العدة .

                                                                                                                                            والثالث : أن فراش المنكوحة ثبت حقا لها ، وعليها من طلاق وظهار وإيلاء ولعان ، ولا يثبتها فراش الملك .

                                                                                                                                            والرابع : أنه قد يصح أن يملك أمته غيره ، ولا يصح أن يملك زوجته غيره .

                                                                                                                                            وإذا كان فراش النكاح أقوى من فراش الملك بما ذكرنا من هذه المعاني الأربعة وجب إذا اجتمع الأقوى والأضعف أن يكون حكم الأقوى أثبت ، سواء تقدم أو تأخر ، كما لو اجتمع عقد نكاح وعقد ملك ، بأن تزوج ثم اشتراها ، بطل عقد النكاح بعد الملك : لأن عقد الملك أقوى من عقد النكاح ، وإن كان فراش النكاح أقوى من فراش الملك : لأن عقد الملك على المنفعة والرقبة ، وعقد النكاح على المنفعة دون الرقبة ، فلما غلب في العقدين أقواهما وهو الملك وجب أن يغلب في الفراشين أقواهما ، وهو النكاح ، وإنما يراعى الأسبق فيما استوت قوته وضعفه كعقدي نكاح أو فراشي ملك . فبطل ما استدل به مالك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية