الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت تحالف الزوجين فإنهما يتحالفان عند الحاكم ؛ لأن الأيمان في الحقوق لا يستوفيها إلا الحاكم ، فإذا حضراه قال الشافعي هاهنا : بدأ بإحلاف الزوج .

                                                                                                                                            وقال في اختلاف المتبايعين : إنه يبدأ بإحلاف البائع ، وهو يتنزل منزلة الزوجة في النكاح ، والزوج يتنزل منزلة المشتري في البيع .

                                                                                                                                            وقال في كتاب " الدعوى والبينات " : في اختلاف المتبايعين ما يدل على أن الحاكم بالخيار في البداية بإحلاف أيهما شاء .

                                                                                                                                            فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة طرق :

                                                                                                                                            أحدها : أن المسألتين في اختلاف الزوجين والمتبايعين على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أنه يبدأ بإحلاف البائع والزوجة على ما يقتضيه نصه في البيوع .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يبدأ بإحلاف الزوج والمشتري على ما يقتضيه نصه في الصداق .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أن الحاكم بالخيار في البداية بإحلاف أي الزوجين شاء على ما يقتضيه كلامه في الدعوى والبينات .

                                                                                                                                            والطريقة الثانية - وهي طريقة أبي حامد المروزي - : أن المسألتين على قول واحد ، وأن الحاكم فيهما بالخيار في البداية بإحلاف أي الزوجين شاء ، وأي المتبايعين شاء .

                                                                                                                                            والطريقة الثالثة - وهي طريقة أبي إسحاق المروزي - : أن حكم المسألتين مختلف ، وأنه يبدأ في اختلاف الزوجين بإحلاف الزوج قبل الزوجة ، وفي اختلاف المتبايعين بإحلاف البائع قبل المشتري .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن جنبة البائع أقوى ؛ لعود السلعة إليه بعد التحالف ، فبدأ بإحلافه ، وجنبة الزوج أقوى ؛ لأنه قد ملك البضع ولا يزول ملكه عنه بعد التحالف ، فبدأ بأحلافه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت تحالفهما ، ومن بدأ الحاكم بإحلافه منهما ، فقد اختلف أصحابنا : هل يحلف كل واحد منهما يمينا واحدة ، أو يمينين ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول كثير من أصحابنا - : أنه يحلف كل واحد منهما يمينا واحدة ، تجمع النفي والإثبات ؛ لأنه أسرع إلى فصل القضاء .

                                                                                                                                            [ ص: 496 ] فعلى هذا في كيفية يمينه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يصرح فيها بالابتداء بالنفي ، ثم بالإثبات ، فيقول الزوج : والله ما تزوجتك على صداق ألفين ، ولقد تزوجتك على صداق ألف .

                                                                                                                                            ثم تحلف الزوجة فتقول : والله ما تزوجتني على صداق ألف ، ولقد تزوجتني على صداق ألفين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يصرح بالنفي ويصرح بالإثبات الدال على النفي ، فيقول : والله ما تزوجتك إلا على صداق ألف .

                                                                                                                                            وتقول الزوجة : والله ما تزوجتني إلا على صداق ألفين ؛ لأن اليمين على هذا الوجه أوجز ، واللفظ فيه أخص .

                                                                                                                                            فهذا إذا قيل يحلفهما يمينا واحدة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يحلف كل واحد منهما يمينين ؛ يمينا للنفي ، ثم يمينا للإثبات .

                                                                                                                                            وهذا قول أبي العباس بن سريج ، فيبدأ بيمين النفي ، فيقول الزوج : والله ما تزوجتك على صداق ألفين . وتقول الزوجة : والله ما تزوجتني على صداق ألف . ثم يحلفهما بعد ذلك يمين الإثبات ، فيقول الزوج : والله لقد تزوجتك على صداق ألف . وتقول الزوجة : والله لقد تزوجتني على صداق ألفين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية