الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2224 ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسوما كان أو غير مقسوم

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي في بيان من رأى إلى آخره ، قال بعضهم : أراد البخاري بالترجمة الرد على من قال : إن الماء لا يملك . ( قلت ) : من أين يعلم أنه أراد بالترجمة الرد على من قال إن الماء لا يملك ، ويحتمل العكس ، وأيضا فقوله : إن الماء لا يملك ليس على الإطلاق ; لأن الماء على أقسام : قسم منه لا يملك أصلا وكل الناس فيه سواء في الشرب وسقي الدواب وكري النهر منه إلى أرضه ، وذلك كالأنهار العظام مثل النيل والفرات ونحوهما وقسم منه يملك ، وهو الماء الذي يدخل في قسمة أحد إذا قسمه الإمام بين قوم ، فالناس فيه شركاء في الشرب ، وسقي الدواب دون كري النهر ، وقسم منه يكون محرزا في الأواني كالجباب والدنان والجرار ونحوها ، وهذا مملوك لصاحبه بالإحراز ، وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ حتى لو أتلفه رجل يضمن قيمته ، ولكن شبهة الشركة فيه باقية ، بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " المسلمون شركاء في الثلاث : الماء ، والكلأ ، والنار " رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ، ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمر ، ورواه أبو داود ، عن رجل من الصحابة ، وأحمد في مسنده ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، والمراد : شركة إباحة لا شركة ملك ، فمن سبق إلى أخذ شيء منه في وعاء أو غيره ، وأحرزه ، فهو أحق به ، وهو ملكه دون سواه ، لكنه لا يمنع من يخاف على نفسه من العطش أو مركبه ، فإن منعه يقاتله بلا سلاح بخلاف الماء الثاني فإنه يقاتله فيه بالسلاح .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من رأى صدقة الماء " إلى آخره ، لم يبين المراد منه ، هل هو جائز أم لا ، وظاهر الكلام يحتمل الجواز ، وعدمه ، ولكن فيه تفصيل ، وهو أن الرجل إذا كان له شرب في الماء ، وأوصى أن يسقى منه أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة أجيزت من الثلث ، فإن مات الموصى له بطلت الوصية بمنزلة ما إذا أوصى بخدمة عبده لإنسان ، فمات الموصى له بطلت الوصية ، وإذا أوصى ببيع الشرب وهبته أو صدقته ، فإن ذلك لا يصح للجهالة ، أو للغرر ، فإنه على خطر الوجود ; لأن الماء يجيء وينقطع ، وكذا لا يصح أن يكون مسمى في النكاح حتى يجب مهر المثل ، ولا بدل الصلح عن الدعوى ، ولا يباع الشرب في دين صاحبه بدون أرض بعد موته ، وكذا في حياته ولو باع الماء المحرز في إناء أو وهبه لشخص أو تصدق به ، فإنه يجوز ولو كان مشتركا بينه وبين آخر ، فلا يجوز قبل القسمة ، فافهم هذه الفوائد التي خلت عنها الشروح .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية