الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2225 2 - حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنها حلبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة داجن ، وهو في دار أنس بن مالك ، وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس ، فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدح ، فشرب منه حتى إذا نزع القدح من فيه - وعلى يساره أبو بكر ، وعن يمينه أعرابي - ، فقال عمر وخاف أن يعطيه الأعرابي : أعط أبا بكر يا رسول الله عندك ، فأعطاه الأعرابي الذي على يمينه ، ثم قال : الأيمن ، فالأيمن .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " وشيب لبنها بماء " والماء يجري فيه القسمة ، وأنه يملك ، وهذا الإسناد بعينه قد مر غير مرة ، وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ، والزهري محمد بن مسلم ، والحديث [ ص: 192 ] أخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل ، وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى ، وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي ، وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة ، وعن إسحاق بن موسى عن معن ، وأخرجه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، ستتهم عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس .

                                                                                                                                                                                  قوله : " شاة داجن " الداجن شاة ألفت البيوت ، وأقامت بها ، والشاة تذكر وتؤنث ، فلذلك قال : داجن ، ولم يقل داجنة .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الأثير : الداجن الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم ، يقال : دجنت تدجن دجونا . قوله : " وشيب " على صيغة المجهول ، أي : خلط من شاب يشوب شوبا ، وأصل الشوب : الخلط . قوله : " وعلى يساره " إنما قال هنا بعلى ، وفي يمينه بعن ; لأنه لعل يساره كان موضعا مرتفعا ، فاعتبر استعلاؤه أو كان الأعرابي بعيدا عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم . قوله : " وعن يمينه أعرابي " قيل : إنه خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ، حكاه ابن التين ، واعترض عليه بأنه لا يقال له أعرابي ، قيل : الحامل له على ذلك أنه رأى في حديث ابن عباس الذي مضى ذكره عن قريب ، وهو أنه قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد على ميمونة . الحديث ، فظن أن القصة واحدة ، وليس كذلك ، فإن هذه القصة في بيت ميمونة ، وقصة أنس في داره ، وبينهما فرق . قوله : " وخاف أن يعطيه " جملة حالية والضمير في خاف يرجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه ، وإنما قال : أعط أبا بكر تذكيرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإعلاما للأعراب بجلالة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، وكذا وقع : أعط أبا بكر لجميع أصحاب الزهري ، وشذ معمر فيما رواه وهب عنه ، فقال عبد الرحمن بن عوف بدل عمر أخرجه الإسماعيلي ، والذي في البخاري هو الصحيح ، قيل : إن معمرا لما حدث بالبصرة حدث من حفظه ، فوهم في أشياء ، فكان هذا منها . ( قلت ) : الأوجه أن يقال : يحتمل أن يكون محفوظا أن يكون كل من عمر وعبد الرحمن ، قال : ذلك لتوفر دواعي الصحابة على تعظيم أبي بكر ، وهذا أحسن من أن ينسب معمر إلى الشذوذ والوهم ، قال النسائي : معمر بن راشد الثقة المأمون . وقال العجلي : بصري رحل إلى صنعاء ، وسكن بها وتزوج ، ورحل إليه سفيان ، وسمع منه هناك ، وسمع هو أيضا من سفيان . قوله : " الأيمن فالأيمن " بالنصب على تقدير : أعط الأيمن ، وبالرفع على تقدير الأيمن أحق ، ويدل على ترجيح رواية الرفع قوله في بعض طريقه : الأيمنون الأيمنون الأيمنون ، قال أنس : فهي سنة ، فهي سنة ، فهي سنة ، هكذا في رواية أبي طوالة ، عن أنس رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) :

                                                                                                                                                                                  فيه مشروعية تقديم من هو على يمين الشارب في الشرب وإن كان مفضولا بالنسبة إلى من كان على يسار الشارب لفضل جهة اليمين على جهة اليسار ، وهل هو على جهة الاستحباب ، أو أنه حق ثابت للجالس على اليمين ، فقال القاضي عياض : إنه سنة ، قال : وهذا مما لا خلاف فيه ، وكذا قال النووي : إنها سنة واضحة ، وخالف فيه ابن حزم ، فقال : لا بد من مناولة الأيمن كائنا من كان ، فلا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذن الأيمن قال : ومن لم يرد أن يناول أحدا فله ذلك . ( فإن قلت ) : في حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى بإسناد صحيح ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سقى قال ابدؤوا بالكبراء أو قال بالأكابر ، فكيف الجمع بين أحاديث الباب ؟

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : يحمل هذا الحديث على ما إذا لم يكن على جهة يمينه - صلى الله عليه وسلم - بل كان الحاضرون تلقاء وجهه مثلا أو وراءه . وقال النووي : وأما تقديم الأفاضل والكبار ، فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ، ولهذا يقدم الأعلم ، والأقرأ على الأسن النسيب في الإمامة في الصلاة .

                                                                                                                                                                                  وفيه : أن غير المشروب مثل الفاكهة واللحم ونحوهما ، هل حكمه حكم الماء ؟

                                                                                                                                                                                  فنقل عن مالك تخصيص ذلك بالشرب . وقال ابن عبد البر وغيره : لا يصح هذا عن مالك . وقال القاضي عياض : يشبه أن يكون قول مالك : إن السنة وردت في الشرب خاصة ، وإنما يقدم الأيمن ، فالأيمن في غيره بالقياس ; لأن السنة منصوصة فيه ، وكيف ما كان فالعلماء متفقون على استحباب التيامن في الشرب وأشباهه .

                                                                                                                                                                                  وفيه : جواز شوب اللبن بالماء لنفسه ولأهل بيته ولأضيافه ، وإنما يمتنع شوبه بالماء إذا أراد بيعه ; لأنه غش .

                                                                                                                                                                                  وفيه : أن الجلساء شركاء في الهدية ، وذلك على جهة الأدب والمروءة والفضل والأخوة لا على الوجوب لإجماعهم على أن المطالبة بذلك غير واجبة لأحد .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : روي أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : جلساؤكم شركاؤكم في الهدية . ( قلت ) : محمول على ما ذكرنا مع أن إسناده فيه لين .

                                                                                                                                                                                  وفيه دلالة أن من قدم إليه شيء من الأكل أو الشرب فليس عليه أن يسأل من أين هو وما أصله إذا علم طيب مكسب صاحبه في الأغلب .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 193 ] ( الأسئلة والأجوبة في أحاديث هذا الباب ) .

                                                                                                                                                                                  الأول : ما الحكمة في كون ابن عباس لم يوافق استئذان النبي صلى الله عليه وسلم له في أن يقدم في الشرب من هو أولى منه بذلك ؟ وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بذلك بقوله : اترك له حقك ، ولو أمره لأطاعه ، فلما لم يقع منه إلا استئذانه له في ذلك فقط لم يفوت نفسه حظه من سؤر النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  الثاني : ما الحكمة في كونه صلى الله تعالى عليه وسلم استأذن ابن عباس أن يعطي خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه قبله ولم يستأذن الأعرابي في أن يعطي أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قبله ، وأجيب بأنه إنما استأذن الغلام دون الأعرابي إدلالا على الغلام وهو ابن عباس ثقة بطيب نفسه بأصل الاستئذان والأشياخ أقاربه ، وأما الأعرابي فلم يستأذنه مخافة من إيحاشه في استئذانه في صرفه إلى أصحابه ، وربما سبق إلى قلب ذلك الأعرابي شيء يأنف به لقرب عهده بالجاهلية .

                                                                                                                                                                                  الثالث : هل من سبق إلى مجلس عالم أو كبير أو إلى موضع من المسجد أو إلى موضع مباح فهو أحق به ممن يجيء بعده أم لا ؟ أجيب بأن حكمه حكم الشرب في أن القاعد على اليمين أحق كائنا من كان ، فكذلك هنا السابق أحق كائنا من كان ولا يقام أحد من مجلس جلسه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية