الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2124 1 - حدثنا عمرو بن زرارة قال : أخبرنا إسماعيل بن علية قال : أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة والناس يسلفون في الثمر العام والعامين ، أو قال : عامين أو ثلاثة ، شك إسماعيل ، فقال : من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة : الأول : عمرو بفتح العين ، ابن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف وفي آخره هاء ، ابن واقد أبو محمد ، مر في سترة الصلاة . الثاني : إسماعيل بن علية ، بضم العين وفتح اللام المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن سهم الأسدي ، وعلية اسم أمه مولاة لبني أسد . الثالث : عبد الله بن أبي نجيح ، بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة ، واسمه يسار ضد اليمين . الرابع : عبد الله بن كثير ضد قليل ، المقرئ أحد القراء السبعة ، وبه جزم القابسي وعبد الغني والمزي ، وقال الكلاباذي وابن طاهر الدمياطي : هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي ، كلاهما ثقة . الخامس : أبو المنهال ، بكسر الميم وسكون النون ، عبد الرحمن بن مطعم الكوفي ، ولا يشتبه عليك بأبي المنهال سيار البصري . السادس : عبد الله بن عباس .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع ، وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول في موضع ، وفيه أن شيخه نيسابوري ، وهو شيخ مسلم أيضا ، وأن إسماعيل بصري ، وابن أبي نجيح وعبد الله بن كثير سواء كان هو المقرئ أو ابن المطلب مكيون ، وعبد الله بن كثير بن المطلب ليس له في البخاري إلا هذا الحديث ، وذكر له مسلم حديثا آخر في الجنائز رواه عنه ابن جريج ، وكذلك ليس لعبد الله بن كثير المقرئ غير هذا الحديث ، وليس لأحد من القراء السبعة رواية إلا لهذا ، ولابن أبي النجود في المبايعة ، ووقع في المدونة عبد الله بن أبي كثير ، وهو غلط ، وصوابه حذف أبي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في السلم عن محمد ، وعن صدقة بن الفضل ، وعلي بن عبد الله وقتيبة ، فرقهم ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة ، وعن أبي نعيم ، وقال عبد الله بن الوليد : كلاهما عن سفيان الثوري ، وأخرجه مسلم أيضا في البيوع عن يحيى بن يحيى وعمرو بن محمد الناقد ، كلاهما عن سفيان بن عيينة به ، وعن أبي بكر بن أبي [ ص: 62 ] شيبة ، وإسماعيل بن سالم ، كلاهما عن إسماعيل بن علية به ، وعن أبي كريب وابن أبي عمر ، كلاهما عن وكيع ، وعن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي ، كلاهما عن الثوري به ، وعن شيبان بن فروخ ، وأخرجه أبو داود فيه عن النفيلي ، وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع ، وأخرجه النسائي فيه ، وفي الشروط عن قتيبة ، وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن هشام بن عمار ، أربعتهم عن سفيان بن عيينة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : والناس يسلفون الواو فيه للحال ، ويسلفون بضم الياء من أسلف . قوله : العام بالنصب على الظرفية . قوله : شك إسماعيل ، وهو إسماعيل بن علية ولم يشك سفيان ، فقال : وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث ، ويأتي في الباب الذي يليه ، وقال بعضهم : وقوله السنتين منصوب إما على نزع الخافض ، أو على المصدر . قلت : هذا غلط لا يخفى ، ومن مس شيئا ما من العربية لا يقول هذا ، ولكن لو بين وجهه لكان له وجه ، وهو أن يقال : التقدير في وجه نزع الخافض إلى السنة ، والتقدير في وجه النصب على المصدر أن يقال : إسلاف السنة ، فالإسلاف مصدر منصوب ، فلما حذف قام المضاف إليه مقامه ، فافهم .

                                                                                                                                                                                  قوله : من سلف في تمر بتشديد اللام في رواية ابن علية ، وفي رواية ابن عيينة : من أسلف في شيء وهذه أشمل . قوله : في تمر بالتاء المثناة من فوق ، ويروى بالثاء المثلثة . قوله : ووزن الواو بمعنى "أو" ، أي : أو في وزن معلوم ، والمراد : اعتبار الكيل فيما يكال ، واعتبار الوزن فيما يوزن .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه اشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيلات ، واشتراط الوزن فيما يوزن من الموزونات لاختلاف المكاييل والموزونات ، إلا أن يكون في بلد ليس فيه إلا كيل واحد ووزن واحد ، فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق ، ولا خلاف في اشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل ، كصاع الحجاز ، وقفيز العراق ، وإردب مصر ، بل مكاييل هذه البلاد في أنفسها مختلفة ، فلا بد من التعيين ، وعن هذا قال ابن حزم : لا يجوز السلم إلا في مكيل أو موزون فقط ، ولا يجوز في مذروع ، ولا في معدود ، ولا شيء غير ما ذكر في النص . وكأنه قصر السلم على ما ذكر في الحديث ، وليس كذلك ، بل السلم يجوز فيما لا يكال ولا يوزن ، ولكن لا بد فيه من صفة الشيء المسلم فيه ويدخل في قوله : كيل معلوم ووزن معلوم إذ العلم بهما يستلزمه .

                                                                                                                                                                                  والأصل فيه عندنا أن كل شيء يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه ، كمكيل وموزن ومذروع ومعدود متقارب ، كالجوز والبيض ، وعند زفر : لا يجوز في المعدود عند تفاوت آحاده . وقال الشافعي : لا يصح إلا وزنا . وفي الروضة : ويجوز السلم في الجوز واللوز وزنا إذا لم تختلف قشوره غالبا ، ويجوز كيلا على الأصح ، وكذا الفستق والبندق ، وأما البطيخ والقثاء والبقول والسفرجل والرمان والباذنجان والنارنج والبيض ، فالمعتبر فيها الوزن ، انتهى ، وبه قال أحمد .

                                                                                                                                                                                  وفي حاوي الحنابلة : ولا يسلم في معدود مختلف من حيوان وغيره ، وعنه يصح وزنا في غير الحيوان كالفلوس إن جاز السلم فيها ، وعنه عددا ، وقيل في المتقارب كجوز وبيض عددا ، وفي المتفاوت كفاكهة وبقل وزنا ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  ومذهب مالك ما ذكره في الجواهر ، ويكفي العدد في المعدودات ، ولا يفتقر إلى الوزن إلا أن يتفاوت آحاده تفاوتا يقتضي اختلاف أثمانها ، فلا يكفي فيها حينئذ مجرد العدد والمعدود ، كالبيض والباذنجان والرمان ، وكذا الجوز واللوز إن جرت عادة بيعه بالعدد ، وكذا اللبن ، وكذا البطيخ إذا كان متفاوتا غير بين التفاوت ، وكذلك جميع ما يشبه ما ذكرنا ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  وأما الفلوس فيجوز السلم فيها عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال محمد : لا يجوز ، وبه قال مالك وأحمد في رواية ، وعن أحمد : يجوز وزنا ، وعنه عددا ، وعن الشافعي قولان في سلم الفلوس ، وأما السلم في الدراهم والدنانير ، فإن أسلم فيهما ، قيل : يكون باطلا ، وقيل : ينعقد بيعا بثمن مؤجل معناه إذا أسلم في الدراهم ثوبا مثلا ، والأول أصح ، وعند الشافعي القول الثاني هو الأصح ، وقال النووي : اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز إسلام الدراهم في الدنانير ، ولا عكسه سلما مؤجلا ، وفي الحال وجهان الأصح المنصوص في الأم أنه لا يصح ، والثاني يصح بشرط قبضها في المجلس .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية