الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وقول الله بالجر تقديره : وباب في ذكر قول الله تعالى ولا تكرهوا ، الآية ، ذكر هذه الآية في معرض الدليل لحرمة كسب البغي ، لأنه نهي عن إكراه الفتيات أي الإماء على البغاء أي الزنا ، والنهي يقتضي تحريم ذلك ، وتحريم هذا يستدعي حرمة زناهن ، وحرمة زناهن تستلزم حرمة وضع الضرائب عليهن ، وهي تقتضي حرمة الأجر الحاصل من ذلك .

                                                                                                                                                                                  ثم سبب نزول [ ص: 104 ] هذه الآية فيما ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره ، نزلت هذه الآية في ست جوار لعبد الله بن أبي بن سلول كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن وهي معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة ، فجاءته إحداهن يوما بدينار ، وجاءت أخرى ببرد ، فقال لهما : ارجعا فازنيا ، فقالتا : والله لا نفعل قد جاء الله تعالى بالإسلام وحرم الزنا ، فأتتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكتا إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ذكره الواحدي في ( أسباب النزول ) وروى الطبري من طريق ابن نجيح عن مجاهد قال في قوله ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ، قال : إماءكم على الزنا ، وأن عبد الله بن أبي أمر أمة له بالزنا فزنت فجاءت ببرد ، فقال : ارجعي فازني على آخر ، قالت : والله ما أنا براجعة ، فنزلت ، وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعا ، وروى أبو داود والنسائي من طريق أبي الزبير سمع جابرا قال : جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء فنزلت ، قوله : " فتياتكم " جمع فتاة وهي الشابة ، والفتى الشاب ، وقد فتي بالكسر يفتى فهو فتي السن بين الفتا والفتى السخي الكريم ، وقد تفتى وتفاتى والجمع فتيان وفتية وفتو على فعول ، وفتى مثل عصا ، والفتيان الليل والنهار ، واستفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني ، والاسم الفتيا والفتوى ، قوله إن أردن تحصنا أي تعففا ، وقال بعضهم : قوله : إن أردن تحصنا لا مفهوم له ، بل خرج مخرج الغالب ( قلت ) المفهوم لا يصح نفيه لأن كلمة " إن " تقتضي ذلك ، ولكن الذي يقال هنا : إن " إن " ليست للشرط بل بمعنى إذ ، وذلك كما في قوله تعالى : وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، وقوله تعالى : وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، وقوله تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ومعنى إن في هذه كلها بمعنى إذ ، وقال النسفي في تفسير هذه الآية : وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصنا ، ثم قال : وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذان بأن الباغيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية ، وقيل : إن أردن تحصنا ، متصل بقوله : وأنكحوا الأيامى منكم أي من أراد أن يلزم الحصانة فليتزوج ، وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، والمعنى فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لمن أراد تحصنا ، قوله : " لتبتغوا " أي لتطلبوا بإكراههن على الزنا أجورهن على الزنا ، قوله : " غفور رحيم " أي لهن ، وقيل : لهم لمن تاب عن ذلك بعد نزول الآية ، وقيل : لهن ولهم أن تابوا وأصلحوا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية