الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1675 - (إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره) (م) عن أبي موسى . (صح)

التالي السابق


(إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة) قال ابن الكمال: إذا ذكر الرحمة خصوصا في مقابلة الهلاك يراد بها الإمهال والتأخير والأمة في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة ولهذا قال (من عباده) جمع عبد وهو الإنسان (قبض نبيها) أي أخذه بمعنى توفاه قال في الأساس: ومن المجاز قبض فلان إلى رحمة الله تعالى. قال المولى ابن الكمال: وتقدير المضاف هنا من ضيق العطن (قبلها) أي قبل قبضها (فجعله لها فرطا) بفتحتين بمعنى الفارط المتقدم إلى الماء ليهيئ السقي في القاموس يقال للواحد والجمع وما تقدمك من أجر وعمل قال التلمساني: السابق ليزيل ما يخاف منه ويأخذ الأمن للمتأخر الطيبي يريد أنه شفيع يتقدم قال بعض المحققين: والظاهر منه المرجو أن له صلى الله عليه وسلم شفاعة ونفعا غير مأمنه يوم القيامة فإنها لا تتفاوت بالموت قبل أو بعد ولأن الفرط يهيأ قبل الورود يؤيده ما نقل من حضوره عند الموت والميت ونحوه وإن احتمل أن يكون المراد يوم القيامة ولا خفاء في أن قوله فجعله إلخ إشارة إلى علة التقدم فما قيل من أنهم إذا ماتوا انقطع عملهم أو الخير في بقائهم نسلا بعد نسل مستغنى عنه مع أن فيه ما فيه (وسلفا بين يديها) وهو المقدم وكل عمل صالح قدمته أو الفرط والمقدم من الآباء والأقرباء كذا في القاموس قال البعض وهو من عطف المرادف أو أعم وفائدة التقديم الأنس والاطمئنان وقلة كربة الغربة ونحو ذلك إذا بلغت بلدا مخوفا ليس لك بها أنيس وقيل الأجر لشدة المصيبة وقد ظهر أن الاقتصار على الأجر المذكور من القصور انتهى.

وفي الكشاف في تفسير لا تقدموا بين يدي الله ورسوله حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منها توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوزه وداناه قال ابن الكمال: وقد جرت هذه العبارة هنا على سنن ضرب من المجاز وهو الذي يسميه أهل اللسان تمثيلا (وإذا أراد هلكة أمة) بفتح الهاء واللام هلاكها (عذبها ونبيها حي) أي وهو مقيم بين أظهرها قيدها في قيد الحياة (فأهلكها) الفاء للتعقيب (وهو ينظر) أي والحال أن نبيها ينظر إلى إهلاكهم قال الجوهري: النظر تأمل الشيء بالعين (فأقر عينه) الفاء للتفريع أي فرحه الله وبلغه الله أمنيته. وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد فيقر (بهلكتها) في حياته (حين كذبوه) في دعواه النبوة والرسالة (وعصوا أمره) بعدم اتباع ما جاء به عن الله وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة [ ص: 207 ] لأنه يكون مصيبة عظيمة لهم ثم يتمسكون بشرعه بعده فتضاعف أجورهم وأما هلكة الأمة قبل نبيها فإنما يكون بدعائه عليهم ومخالفتهم أمره كما فعل بقوم نوح عليه السلام فالمراد من الأمة الأولى أمة الإجابة وبالثانية أمة الدعوة وفيه بشرى عظيمة لهذه الأمة حيث كان قبضه رحمة لهم كما كان بعثه كذلك

(م) في فضائل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (عن أبي موسى الأشعري ) قال القرطبي وغيره وهذا من الأربعة عشر حديثا المنقطعة الواقعة في مسلم لأنه قال في أول سنده حدثنا عن أبي أسامة.




الخدمات العلمية