الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6926 ) فصل : وإن ذهب بعض الكلام ، وجب من الدية بقدر ما ذهب ، يعتبر ذلك بحروف المعجم ، وهي ثمانية وعشرون حرفا سوى " لا " ، فإن مخرجها مخرج اللازم والألف ، فمهما نقص من الحروف ، وجب من الدية بقدره ; لأن الكلام يتم بجميعها ، فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ، ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية ، وفي الحرفين نصف سبعها ، وفي الأربعة سبعها ، ولا فرق بين ما خف من الحروف على اللسان وما ثقل ; لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره ، كالأصابع .

                                                                                                                                            ويحتمل أن تقسم الدية على الحروف التي للسان فيها عمل ، ودون الشفة ، وهي أربعة ; الباء ، والميم ، والفاء ، والواو . ودون حروف الحلق الستة ; الهمزة ، والهاء ، والحاء ، والخاء ، والعين ، والغين . فهذه عشرة ، بقي ثمانية عشر حرفا للسان ، تنقسم ديته عليها ; لأن الدية تجب بقطع اللسان ، وذهاب هذه الحروف وحدها مع بقائه ، فإذا وجبت الدية فيها بمفردها ، وجب في بعضها بقسطه منها ، ففي الواحد نصف تسع الدية ، وفي الاثنين تسعها ، وفي الثلاثة سدسها . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي . وإن جنى على شفته ، [ ص: 351 ] فذهب بعض الحروف ، وجب فيه بقدره ، وكذلك إن ذهب بعض حروف الحلق بجنايته . وينبغي أن تجب بقدره من الثمانية والعشرين ، وجها واحدا . وإن ذهب حرف فعجز عن كلمة ، لم يجب غير أرش الحرف ; لأن الضمان إنما يجب لما تلف .

                                                                                                                                            وإن ذهب حرف ، فأبدل مكانه حرفا آخر ، كأنه يقول : درهم . فصار يقول : دلهم . أو : دغهم . أو : ديهم . فعليه ضمان الحرف الذاهب ; لأن ما تبدل لا يقوم مقام الذاهب في القراءة ولا غيرها ; فإن جنى عليه فذهب البدل ، وجبت ديته أيضا ; لأنه أصل . وإن لم يذهب شيء من الكلام ، لكن حصلت فيه عجلة أو تمتمة أو فأفأة ، فعليه حكومة لما حصل من النقص والشين ، ولم تجب الدية لأن المنفعة باقية . وإن جنى عليه جان آخر ، فأذهب كلامه ، ففيه الدية كاملة ، كما لو جنى على عينه جان فعمشت ، ثم جنى عليها آخر ، فذهب ببصرها .

                                                                                                                                            وإن أذهب الأول بعض الحروف ، وأذهب الثاني بقية الكلام ، فعلى كل واحد منهما بقسطه ، كما لو ذهب الأول ببصر إحدى العينين ، وذهب الآخر ببصر الأخرى . وإن كان ألثغ من غير جناية عليه ، فذهب إنسان بكلامه كله ، فإن كان مأيوسا من زوال لثغته ، ففيه بقسط ما ذهب من الحروف ، وإن كان غير مأيوس من زوالها ، كالصبي ، ففيه الدية كاملة ; لأن الظاهر زوالها . وكذلك الكبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية