الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7061 ) فصل : إذا شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا ، وشهد الآخر أنه أقر بقتله . ولم يقل : عمدا ولا خطأ . ثبت [ ص: 405 ] القتل ; لأن البينة قد تمت عليه ، ولم تثبت صفته ; لعدم تمامها عليه ، ويسأل المشهود عليه عن صفته ، فإن أنكر أصل القتل ، لم يقبل إنكاره ، لقيام البينة به ، وإن أقر بقتل العمد ، ثبت بإقراره . وإن أقر بقتل الخطإ ، وأنكر الولي ، فالقول قول القاتل . وهل يستحلف على ذلك ؟ يخرج فيه وجهان . وإن صدقه الولي على الخطإ ، ثبت عليه . وإن أقر بقتل العمد ، وكذبه الولي ، وقال : بل كان خطأ . لم يجب القود ; لأن الولي لا يدعيه ، وتجب دية الخطإ .

                                                                                                                                            ولا تحمل العاقلة شيئا من ديته في هذه المواضع كلها ، وتكون في ماله ، لأنها لم تثبت ببينة ، وفي بعضها القاتل مقر بأنها في ماله دون مال عاقلته . وإن قال أحد الشاهدين : أشهد أنه أقر بقتله عمدا . وقال الآخر : أشهد أنه أقر بقتله خطأ . ثبت القتل أيضا ; لأنه لا تنافي بين شهادتيهما ; لأنه يجوز أن يقر عند أحدهما بقتل العمد ، ويقر عند الآخر بقتل الخطإ ، فثبت إقراره بالقتل دون صفته ، ويطالب ببيان صفته ، على ما ذكرنا في التي قبلها . وإن شهد أحدهما أنه قتله عمدا ، وشهد الآخر أنه قتله خطأ ، ثبت القتل أيضا دون صفته ، ويطالب ببيان صفته ، على ما ذكرنا ، لأن الفعل قد يعتقده أحدهما خطأ ، والآخر عمدا ، ويكون الحكم كما لو شهد على إقراره بذلك .

                                                                                                                                            وإن شهد أحدهما أنه قتله غدوة ; وقال الآخر : عشية . وقال أحدهما : قتله بسيف . وقال الآخر : بعصا . لم تتم الشهادة . ذكره القاضي ; لأن كل واحد منهما يخالف صاحبه ويكذبه . وهذا مذهب الشافعي . وقال أبو بكر : يثبت القتل بذلك ; لأنهما اتفقا على القتل ، واختلفا في صفته ، فأشبه التي قبلها . والأول أصح ; لأن كل واحد من الشاهدين يكذب صاحبه ، فإن القتل غدوة غير القتل عشية ; ولا يتصور أن يقتل غدوة ثم يقتل عشية ، ولا أن يقتل بسيف ، ثم يقتل بعصا ، بخلاف العمد والخطإ ; لأن الفعل واحد ، والخلاف في نيته وقصده ، وقد يخفى ذلك على أحدهما دون الآخر .

                                                                                                                                            وإن شهد أحدهما أنه قتله ، وشهد الآخر أنه أقر بقتله ، ثبت القتل . نص عليه أحمد ، واختاره أبو بكر . واختار القاضي أنه لا يثبت . وهو مذهب الشافعي ; لأن أحدهما شهد بغير ما شهد به الآخر ، فلم تتفق شهادتهما على فعل واحد . ولنا ، أن الذي أقر به هو القتل الذي شهد به الشاهد ، فلا تنافي بينهما ، فيثبت بشهادتهما ، كما لو شهد أحدهما بالقتل عمدا ، والآخر بالقتل خطأ ، أو كما لو شهد أحدهما أن له عليه ألفا ، وشهد الآخر أنه أقر بألف له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية