الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7003 ) مسألة : قال : ( وإن كانت الجناية على العبد مما ليس فيه شيء موقت في الحر ، ففيه ما نقصه بعد التئام الجرح ، وإن كان فيما جنى عليه شيء موقت في الحر ، فهو موقت في العبد من قيمته ، ففي يده نصف قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته ، نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر ، وهكذا الأمة ) وجملته أن الجناية على العبد يجب ضمانها بما نقص من قيمته ; لأن الواجب إنما وجب جبرا لما فات بالجناية ، ولا ينجبر إلا بإيجاب ما نقص من القيمة ، فيجب ذلك ، كما لو كانت الجناية على غيره من الحيوانات وسائر المال ، ولا يجب زيادة على ذلك ; لأن حق المجني عليه قد انجبر ، فلا يجب له زيادة على ما فوته الجاني عليه . هذا هو الأصل ، ولا نعلم فيه خلافا فيما ليس فيه مقدر شرعي .

                                                                                                                                            فإن كان الفائت بالجناية موقتا في الحر ، كيده ، وموضحته ، ففيه عن أحمد روايتان ; إحداهما ، أن فيه أيضا ما نقصه ، بالغا ما بلغ . وذكر أبو الخطاب أن هذا اختيار الخلال . وروى الميموني عن أحمد ، أنه قال : إنما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس . وروي هذا عن مالك ، فيما عدا موضحته ، ومنقلته ، وهاشمته ، وجائفته ; لأن ضمانه ضمان الأموال ، فيجب فيه ما نقص كالبهائم ، ولأن ما ضمن بالقيمة بالغا ما بلغ ، ضمن بعضه بما نقص ، كسائر الأموال ، ولأن مقتضى الدليل ضمان الفائت بما نقص ، خالفناه فيما وقت في الحر ، كما خالفناه في ضمان بقيته بالدية المؤقتة ، ففي العبد يبقى فيهما على مقتضى الدليل ، وظاهر المذهب أن ما كان موقتا في الحر ، فهو موقت في العبد ; ففي يده ، أو عينه ، أو أذنه ، أو شفته ، نصف قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته ، وما أوجب الدية في الحر ، كالأنف ، واللسان ، واليدين ، والرجلين ، والعينين ، والأذنين ، أوجب قيمة العبد ، مع بقاء ملك السيد عليه . روي هذا عن علي رضي الله عنه .

                                                                                                                                            وروي نحوه عن سعيد بن المسيب . وبه قال ابن سيرين ; وعمر بن عبد العزيز ، والشافعي ، والثوري . وبه قال أبو حنيفة . قال أحمد : هذا قول سعيد بن المسيب . وقال آخرون : ما أصيب به العبد فهو على ما نقص من قيمته . والظاهر أن هذا لو كان قول علي لما احتج أحمد فيه إلا به دون غيره . إلا أن أبا حنيفة والثوري قالا : ما أوجب الدية من الحر ، يتخير سيد العبد فيه ، بين أن يغرمه قيمته ، ويصير ملكا للجاني [ ص: 380 ] وبين أن لا يضمنه شيئا ، لئلا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل لرجل واحد ، وروي عن إياس بن معاوية ، في من قطع يد عبد عمدا ، أو فقأ عينه ، هو له ، وعليه ثمنه .

                                                                                                                                            ووجه هذه الرواية ، قول علي رضي الله عنه ولم نعرف له في الصحابة مخالفا ، ولأنه آدمي يضمن بالقصاص والكفارة ، فكان في أطرافه مقدر كالحر ، ولأن أطرافه فيها مقدر من الحر ، فكان فيها مقدر من العبد ، كالشجاج الأربع عند مالك ، وما وجب في شجاجه مقدر ، وجب في أطرافه مقدر كالحر . وعلى أبي حنيفة ، قول علي ، ولأن هذه الأعضاء فيها مقدر ، فوجب ذلك فيها مع بقاء ملك السيد في العبد ، كاليد الواحدة ، وسائر الأعضاء ، ولأن من ضمنت يده بمقدر ، ضمنت يداه بمثليه ، من غير أن يملكه كالحر . وقولهم : إنه اجتمع البدل والمبدل لواحد . ليس بصحيح ; لأن القيمة هاهنا بدل العضو وحده ، ولو كان بدلا عن الجملة ، لكان بدل اليد الواحدة بدلا عن نصفه ، وبدل تسع أصابع بدلا عن تسعة أعشاره ، والأمر بخلافه .

                                                                                                                                            والأمة مثل العبد في ذلك ، إلا أنها تشبه بالحرة ، وإذا بلغت ثلث قيمتها ، احتمل أن جنايتها ترد إلى النصف ، فيكون في ثلاث أصابع ثلاثة أعشار قيمتها ، وفي أربعة أصابع خمسها ، كما أن المرأة تساوي الرجل في الجراح إلى ثلث ديتها ، فإذا بلغت الثلث ، ردت إلى النصف ، والأمة امرأة ، فيكون أرشها من قيمتها كأرش الحرة ويحتمل أن لا يرد إلى النصف لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل ; لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية ، وأنه كلما زاد نقصها وضررها ، زاد في ضمانها ، فإذا خولف هذا في الحرة ، بقينا في الأمة على وفق الأصل . ( 7004 ) فصل : وإذا جني على العبد في رأس أو وجه دون الموضحة ، فنقصته أكثر من أرشها ، وجب ما نقصته . ويحتمل أن يرد إلى نصف عشر قيمته ، كالحر إذا زاد أرش شجته التي دون الموضحة على نصف عشر ديته . والأول أولى ; لأن هذه جراحة لا موقت فيها ، فكان الواجب فيها ما نقص ، كما لو كانت في غير رأسه ، ولأن الأصل وجوب ما نقص ، خولف في المقدر ، ففي هذا يبقى على الأصل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية