الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2760 ) فصل : وينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد في ظاهر المذهب ، ولا فرق بين كون الخيار لهما ، أو لأحدهما ، أيهما كان ، وهذا أحد أقوال الشافعي .

                                                                                                                                            وعن أحمد : أن الملك لا ينتقل حتى ينقضي الخيار ، وهو قول مالك ، والقول الثاني للشافعي ، وبه قال أبو حنيفة إذا كان الخيار لهما وللبائع ، وإن كان للمشتري خرج عن ملك البائع ، فلم يدخل في ملك المشتري ; لأن البيع الذي فيه الخيار عقد قاصر ، فلم ينقل الملك ، كالهبة قبل القبض . والقول الثالث للشافعي : أن الملك موقوف مراعى ، فإن أمضيا البيع تبينا أن الملك للمشتري ، وإلا تبينا أنه لم ينتقل عن البائع .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من باع عبدا وله مال ، فماله للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع } . رواه مسلم ، وقوله : { من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرته للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع } . متفق عليه . فجعله للمبتاع بمجرد اشتراطه ، وهو عام في كل بيع . ولأنه بيع صحيح ، فنقل الملك عقيبه ، كالذي لا خيار له . ولأن البيع تمليك ، بدليل قوله : ملكتك . فيثبت به الملك ، كسائر البيع . يحققه أن التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ، ويقتضيه لفظه ، والشرع قد اعتبره وقضى بصحته ، فيجب أن يعتبره فيما يقتضيه ويدل عليه لفظه ، وثبوت الخيار فيه لا ينافيه ، كما لو باع عرضا بعرض ، فوجد كل واحد منهما بما اشتراه عيبا .

                                                                                                                                            وقولهم : إنه قاصر . غير صحيح ، وجواز فسخه لا يوجب قصوره ، ولا يمنع نقل الملك كبيع المعيب ، وامتناع التصرف إنما كان لأجل حق الغير ، فلا يمنع ثبوت الملك ، كالمرهون ، والمبيع قبل القبض . وقولهم : إنه يخرج من ملك البائع ، ولا يدخل في ملك المشتري . لا يصح ; لأنه يفضي إلى وجود ملك لا مالك له ، وهو محال ، ويفضي أيضا إلى ثبوت الملك للبائع في الثمن من غير حصول عوضه للمشتري ، أو إلى نقل ملكه عن المبيع من غير ثبوته في عوضه ، وكون العقد معاوضة يأبى ذلك .

                                                                                                                                            وقول أصحاب الشافعي : إن الملك موقوف ، إن أمضيا البيع تبينا أنه انتقل ، وإلا فلا . غير صحيح أيضا ; فإن انتقال الملك إنما ينبني على سببه الناقل له ، وهو البيع ، وذلك لا يختلف بإمضائه وفسخه ، فإن إمضاءه ليس من المقتضي ولا شرطا فيه ، إذ لو كان كذلك لما ثبت الملك قبله ، والفسخ ليس بمانع ; فإن المنع لا يتقدم المانع ، كما أن الحكم لا يسبق سببه ولا شرطه . ولأن البيع مع الخيار سبب يثبت الملك عقيبه فيما إذا لم يفسخ ، فوجب أن يثبته وإن فسخ ، كبيع المعيب ، وهذا ظاهر إن شاء الله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية