الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3534 ) فصل : فإن كان لأحدهما عليه بناء ، كحائط مبني عليه ، أو عقد معتمد عليه ، أو قبة ونحوها [ ص: 328 ] فهو له . وبهذا قال الشافعي ; لأن وضع بنائه عليه بمنزلة اليد الثابتة عليه ، لكونه منتفعا به ، فجرى مجرى كون حمله على البهيمة وزرعه في الأرض ، ولأن الظاهر أن الإنسان لا يترك غيره يبني على حائطه .

                                                                                                                                            وكذلك إن كانت له عليه سترة ، ولو كان في أصل الحائط خشبة طرفها تحت حائط ينفرد به أحدهما ، أو له عليها أزج معقود ، فالحائط المختلف فيه له ; لأن الظاهر أن الخشبة لمن ينفرد بوضع بنائه عليها ، فيكون الظاهر أن ما عليها من البناء له .

                                                                                                                                            ( 3535 ) فصل : فإن كان لأحدهما خشب موضوع ، فقال أصحابنا : لا ترجح دعواه بذلك . وهو قول الشافعي ; لأن هذا مما يسمح به الجار . وقد ورد الخبر بالنهي عن المنع منه . وعندنا إنه حق يجب التمكين منه . فلم ترجح به الدعوى ، كإسناد متاعه إليه ، وتجصيصه وتزويقه .

                                                                                                                                            ويحتمل أن ترجح به الدعوى . وهو قول مالك ; لأنه منتفع به بوضع ماله عليه ، فأشبه الباني عليه والزارع في الأرض ، وورود الشرع بالنهي عن المنع منه ، لا يمنع كونه دليلا على الاستحقاق ، بدليل أنا استدللنا بوضعه على كون الوضع مستحقا على الدوام ، حتى متى زال جازت إعادته ، ولأن كونه مستحقا تشترط له الحاجة إلى وضعه ، ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه .

                                                                                                                                            وأما السماح به ، فإن أكثر الناس لا يتسامحون به ، ولهذا لما روى أبو هريرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { ، طأطئوا رءوسهم ، كراهة لذلك ، فقال : مالي أراكم عنها معرضين ؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم } . وأكثر الفقهاء لا يوجبون التمكين من هذا ، ويحملون الحديث على كراهة المنع لا على تحريمه . ولأن الحائط يبني لذلك ، فيرجح به ، كالأزج . وقال أصحاب أبي حنيفة : لا ترجح الدعوى بالجذع الواحد ; لأن الحائط لا يبني له ، ويرجح بالجذعين ; لأن الحائط يبني لهما ولنا ، أنه موضوع على الحائط ، فاستوى في ترجيح الدعوى به قليله وكثيره ، كالبناء .

                                                                                                                                            ( 3536 ) فصل : ولا ترجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ووجوه الآجر والحجارة ، ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي ملك أحدهما وأقطاع الآجر إلى ملك الآخر ، ولا بمعاقد القمط في الخص ، يعني عقد الخيوط التي يشد بها الخص . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يحكم به لمن إليه وجه الحائط ومعاقد القمط ; لما روى نمر بن حارثة التميمي ، عن أبيه { ، أن قوما اختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في خص ، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم ، فحكم به لمن يليه معاقد القمط ، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أصبت ، وأحسنت } . رواه ابن ماجه . وروي نحوه عن علي .

                                                                                                                                            ولأن العرف جار بأن من بنى حائطا جعل وجه الحائط إليه . ولنا ، عموم قوله عليه السلام : { البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر } . ولأن وجه الحائط ومعاقد القمط إذا كانا شريكين فيه لا بد من أن يكون إلى أحدهما ، إذ لا يمكن كونه إليهما جميعا ، فبطلت دلالته كالتزويق ، ولأنه يراد للزينة ، فأشبه التزويق . وحديثهم لا يثبته أهل النقل ، وإسناده مجهول . قاله ابن المنذر .

                                                                                                                                            قال الشالنجي : ذكرت هذا الحديث لأحمد ، فلم يقنعه ، وذكرته لإسحاق بن راهويه ، فقال : ليس هذا حديثا . ولم [ ص: 329 ] يصححه . وحديث علي فيه مقال ، وما ذكروه من العرف ليس بصحيح ; فإن العادة جعل وجه الحائط إلى خارج ليراه الناس ، كما يلبس الرجل أحسن أثوابه ، أعلاها الظاهر للناس ، ليروه ، فيتزين به ، فلا دليل فيه .

                                                                                                                                            ( 3537 ) . فصل : ولا ترجح الدعوى بالتزويق والتحسين ، ولا يكون أحدهما له على الآجر سترة غير مبنية عليه ; لأنه مما يتسامح به ، ويمكن إحداثه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية