الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3427 ) فصل : إذا كان المبيع نخلا أو شجرا ، فأفلس المشتري ، لم يخل من أربعة أحوال : أحدها ، أن يفلس وهي بحالها ، لم تزد ولم تثمر ولم يتلف بعضها ، فله الرجوع فيها . الثاني ، أن يكون فيها ثمر ظاهر ، أو طلع مؤبر ، ويشترطه المشتري ، فيأكله ، أو يتصرف فيه ، أو يذهب بجائحة ، ثم يفلس ، فهذا في حكم ما لو اشترى عينين فتلفت إحداهما ، ثم أفلس ، فهل للبائع الرجوع في الأصول ، ويضرب مع الغرماء بحصة التالف من الثمر ؟ على [ ص: 274 ] روايتين

                                                                                                                                            وإن تلف بعضها ، فهو كتلف جميعها . وإن زادت ، أو بدا صلاحها ، فهذه زيادة متصلة في إحدى العينين ، وقد ذكرنا بيان حكمها . الحال الثالث ، أن يبيعه نخلا قد أطلعت ولم تؤبر ، أو شجرا فيها ثمرة لم تظهر ، فهذه الثمرة تدخل في البيع المطلق ، فإن أفلس بعد تلف الثمرة ، أو تلف بعضها ، أو الزيادة فيها ، أو بدو صلاح ، فحكم ذلك حكم تلف بعض المبيع وزيادته المتصلة ; لأن المبيع كان بمنزلة العين الواحدة ، ولهذا دخل الثمر في مطلق البيع ، بخلاف التي قبلها

                                                                                                                                            الحال الرابع ، باعه نخلا حائلا فأثمر ، أو شجرا فأثمر ، فذلك على أربعة أضرب ; أحدها ، أن يفلس قبل تأبيرها ، فالطلع زيادة متصلة ، تمنع الرجوع ، على قول الخرقي ، كالسمن والكبر . ويحتمل أن يرجع في النخل دون الطلع ، لأنه يمكن فصله ، ويصح إفراده بالبيع ، فهو كالمؤبر ، بخلاف السمن والكبر . وهذا قول ابن حامد . وعلى رواية الميموني ، لا يمنع ، بل يرجع ، ويكون الطلع للبائع ، كما لو فسخ بعيب . وهو أحد قولي الشافعي

                                                                                                                                            والقول الثاني ، يرجع في الأصل دون الطلع ، وكذلك عندهم الرد بالعيب ، والأخذ بالشفعة . الضرب الثاني ، أفلس بعد التأبير وظهور الثمرة ، فلا يمنع الرجوع . بغير خلاف ، والطلع للمشتري ، إلا على قول أبي بكر . والصحيح الأول ، لأن الثمرة لا تتبع في البيع الذي ثبت بتراضيهما ، ففي الفسخ الحاصل بغير رضا المشتري أولى . ولو باعه أرضا فارغة فزرعها المشتري ، ثم أفلس ، فإنه يرجع في الأرض دون الزرع ، وجها واحدا ; لأن ذلك من فعل المشتري

                                                                                                                                            الضرب الثالث ، أفلس والطلع غير مؤبر ، فلم يرجع حتى أبر ، لم يكن له الرجوع ، كما لو أفلس بعد تأبيرها ; لأن العين لا تنتقل إلا باختياره لها ، وهذا لم يخترها إلا بعد تأبيرها . فإن ادعى البائع الرجوع قبل التأبير ، وأنكره المفلس ، فالقول قول المفلس مع يمينه ، لأن الأصل بقاء ملكه ، وعدم زواله . وإن قال له البائع : بعت بعد التأبير ، وقال المفلس : بل قبله . فالقول قول البائع ; لهذه العلة . فإن شهد الغرماء للمفلس ، لم تسمع شهادتهم ; لأنهم يجرون إلى أنفسهم نفعا . وإن شهدوا للبائع ، وهم عدول ، قبلت شهادتهم ; لعدم التهمة

                                                                                                                                            الضرب الرابع ، أفلس بعد أخذ الثمرة ، أو ذهبت بجائحة ، أو غيرها ، رجع البائع في الأصل ، والثمرة للمشتري ، إلا على قول أبي بكر . وكل موضع لا يتبع الثمر الشجر إذا رجع البائع فيه ، فليس له مطالبة المفلس بقطع الثمرة قبل أوان الجذاذ . وكذلك إذا رجع في الأرض ، وفيها زرع للمفلس ، فليس له المطالبة بأخذه قبل أوان الحصاد ; لأن المشتري زرع في أرضه بحق ، وطلعه على الشجر بحق ، فلم يلزمه أخذه ، قبل كماله كما لو باع الأصل وعليه الثمرة أو الزرع ، وليس على صاحب الزرع أجر ; لأنه زرع في أرضه زرعا تجب تبقيته ، فكأنه استوفى منفعة الأرض ، فلم يكن عليه ضمان ذلك

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإن اتفق المفلس والغرماء على التبقية ، أو القطع ، فلهم ذلك ، وإن اختلفوا فطلب بعضهم قطعه ، وبعضهم تبقيته ، نظرنا ; فإن كان مما لا قيمة له مقطوعا ، أو قيمته يسيرة ، لم يقطع ; لأن قطعه سفه . وتضييع للمال ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته ، وإن كانت قيمته كثيرة ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يقدم قول من طلب القطع ; لأنه أحوط ، فإن في تبقيته غررا ، ولأن طالب القطع إن كان المفلس فهو يقصد تبرئة ذمته ، وإن كان الغرماء فهم يطلبون تعجيل حقوقهم ، وذلك حق لهم

                                                                                                                                            وهذا قول القاضي ، وأكثر أصحاب الشافعي . والثاني ، ينظر إلى ما فيه الحظ فيعمل به ; لأن ذلك أنفع لجميعهم ، والظاهر سلامته ، ولهذا يجوز أن [ ص: 275 ] يزرع للمولى عليه . وفيه وجه آخر أنه . إن كان الطالب للقطع الغرماء ، وجبت إجابتهم ; لأن حقوقهم حالة ، فلا يلزمهم تأخيرها مع إمكان إيفائها ، وإن كان الطالب له المفلس دونهم ، وكان التأخير أحظ له ، لم يقطع ; لأنهم رضوا بتأخير حقوقهم لحظ يحصل لهم وللمفلس ، والمفلس يطلب ما فيه ضرر بنفسه ، ومنع للغرماء من استيفاء القدر الذي يحصل من الزيادة بالتأخير ، فلا يلزم الغرماء إجابته إلى ذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية