الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3553 ) فصل : إذا كانت بينهما عرصة حائط ، فاتفقا على قسمها طولا ، جاز ذلك ، سواء اتفقا على قسمها طولا أو عرضا ; لأنها ملكهما ، ولا تخرج عنهما . وإن اختلفا ، فطلب أحدهما قسمها طولا وهو أن يجعل له نصف الطول في جميع العرض ، وللآخر مثله ، فقال أصحابنا : يجبر الممتنع على القسمة . وهو مذهب الشافعي ; لأن ذلك لا يضر . فإذا اقتسما اقترعا ، فكان لكل واحد منهما ما تخرج به القرعة ، فإن كان مبنيا فلا كلام ، وإن كان غير مبني ، كان لكل واحد منهما أن يبني في نصيبه ، وإن أحب أن يدخل بعض عرصته في داره فعل ، وإن أحب أن يزيد في حائطه من عرصته فعل .

                                                                                                                                            ويحتمل أن لا يجبر على القسمة ; لأنها توجب اختصاص كل واحد منهما ببعض الحائط المقابل لملك شريكه ، وزوال ملك شريكه ، فيتضرر ; لأنه لا يقدر على حائط يستر ملكه ، وربما اختار أحدهما أن لا يبني حائطه ، فيبقى ملك كل واحد منهما مكشوفا ، أو يبنيه ويمنع جاره من وضع خشبه عليه ، وهذا ضرر لا يرد الشرع بالإجبار عليه . فإن قيل : فإذا كان مشتركا تمكن أيضا من منع شريكه وضع خشبه عليه . قلنا : إذا كان له عليه رسم وضع خشبه ، أو انتفاع به ، لم يملك منعه من رسمه ، وها هنا يملك منعه بالكلية .

                                                                                                                                            وأما إن طلب قسمها عرضا ، وهو أن يجعل لكل واحد منهما نصف العرض في كمال الطول ، نظرنا ، فإن كانت العرصة لا تتسع لحائطين ، لم يجبر الممتنع من قسمها . واختار ابن عقيل أنه يجبر . وهو ظاهر كلام الشافعي ; لأنها عرصة ، فأجبر على قسمها ، كعرصة الدار . ولنا ، أن في قسمها ضررا ، فلم يجبر الممتنع من قسمها عليه ، كالدار الصغيرة ، وما ذكروه ينتقض بذلك .

                                                                                                                                            وإن كانت تتسع لحائطين ، بحيث يحصل لكل واحد منهما ما يبني فيه حائطا ، ففي إجبار الممتنع وجهان : أحدهما : يجبر . قاله أبو الخطاب ; لأنه لا ضرر في القسمة ; لكون كل واحد منهما يحصل له ما يندفع به حاجته ، فأشبه عرصة الدار التي يحصل لكل واحد منهما ما يبني [ ص: 335 ] فيه دارا . والثاني ، لا يجبر . ذكره القاضي ; لأن هذه القسمة لا تقع فيها قرعة ; لأننا لو أقرعنا بينهما ، لم نأمن أن تخرج قرعة كل واحد منهما على ما يلي ملك جاره ، فلا ينتفع به ، فلو أجبرناه على القسمة لأجبرناه على أخذ ما يلي داره من غير قرعة ، وهذا لا نظير له . ولأصحاب الشافعي وجهان ، كهذين . ومتى اقتسما العرصة طولا ، فبنى كل واحد منهما لنفسه حائطا ، وبقيت بينهما فرجة ، لم يجبر أحدهما على سدها ، ولم يمنع من سدها ; لأن ذلك يجري مجرى بناء الحائط في عرصته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية