الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3341 ) فصل : ولا يحل للمرتهن وطء الجارية المرهونة إجماعا ; لقول الله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } . وليست هذه زوجة ولا ملك يمين . فإن وطئها ، عالما بالتحريم ، فعليه الحد ; لأنه لا شبهة له فيه ، فإن الرهن استيثاق بالدين ، ولا مدخل لذلك في إباحة الوطء ، لأن وطء المستأجرة يوجب الحد مع ملكه لنفعها ، فالرهن أولى .

                                                                                                                                            فإن ادعى الجهل بالتحريم ، واحتمل صدقه لكونه ممن نشأ ببادية ، أو حديث عهد بالإسلام ، فلا حد عليه ، وولده حر ; لأنه وطئها معتقدا إباحة وطئها ، فهو كما لو وطئها يظنها أمته ، وعليه قيمة ولدها يوم الولادة ; لأن اعتقاده الحل منع انخلاق الولد رقيقا ، ففوت رق الولد على سيدها ، فلزمته قيمته ، كالمغرور بحرية أمة

                                                                                                                                            وإن لم يحتمل صدقه ، كالناشئ ببلاد الإسلام ، مختلطا بهم من أهل العلم ، لم تقبل دعواه ، لأنه لا يخلو ممن يسمع منه ما يعلم به تحريم ذلك ، فيكون كمن لم يدع الجهل ، وولده رقيق للراهن ; لأنه من زنا . ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين أن يكون الوطء بإذن الراهن ، أو بغير إذنه . وهذا المنصوص عن الشافعي ويحتمل أن لا تجب قيمة الولد مع الإذن في الوطء . وهو قول بعض أصحاب الشافعي ; لأن الإذن في الوطء . إذن فيما يحدث منه ، بدليل أنه لو أذن المرتهن للراهن في الوطء ، فحملت منه ، سقط حقه من الرهن

                                                                                                                                            ولو أذن في قطع إصبع ، فسرت إلى أخرى ، لم يضمنها . ووجه الأول أن وجوب الضمان يمنع انخلاق الولد رقيقا ، وسببه اعتقاد الحل ، وما حصل ذلك بإذنه ، بخلاف الوطء ، فإن خروجها من الرهن بالحمل الذي الوطء المأذون فيه سبب له . وأما المهر ، فإن كان [ ص: 240 ] الوطء بإذن الراهن ، فلا مهر له . وقال أبو حنيفة يجب له ; لأنه يجب لها ابتداء ، فلا يسقط بإذن غيرها . وعن الشافعي كالمذهبين

                                                                                                                                            ولنا ، أنه أذن في سببه ، وهو حقه ، فلم يجب ، كما لو أذن في قتلها ، ولأن المالك أذن في استيفاء المنفعة ، فلم يجب عوضها ، كالحرة المطاوعة . وإن كان بغير إذن ، فالمهر واجب ، سواء أكرهها أو طاوعته . وقال الشافعي لا يجب المهر مع المطاوعة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي . ولأن الحد إذا وجب على الموطوءة لم يجب المهر ، كالحرة

                                                                                                                                            ولنا ، أن المهر يجب للسيد ، فلا يسقط بمطاوعة الأمة وإذنها ، كما لو أذنت في قطع يدها ، ولأنه استوفى هذه المنفعة المملوكة للسيد بغير إذنه ، فكان عليه عوضها ، كما لو أكرهها ، وكأرش بكارتها لو كانت بكرا ، والحديث مخصوص بالمكرهة على البغاء ; فإن الله تعالى سماها بذلك ، مع كونها مكرهة عليه ، فقال : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا }

                                                                                                                                            وقولهم : لا يجب الحد والمهر . قلنا : لا يجب المهر لها ، وفي مسألتنا لا يجب لها ، وإنما يجب لسيدها ، ويفارق الحرة ، فإن المهر لو وجب لوجب لها ، وقد أسقطت حقها بإذنها ، وهاهنا المستحق لم يأذن ، ولأن الوجوب في حق الحرة بإكراهها ، وسقوطه بمطاوعتها ، فكذلك السيد هاهنا ، لما تعلق السقوط بإذنه ، ينبغي أن يثبت عند عدمه ، وسواء وطئها معتقدا للحل ، أو غير معتقد له ، أو ادعى شبهة ، أو لم يدعها ; لأن المهر حق آدمي ، فلا يسقط بالشبهات ، ولا تصير هذه الأمة أم ولد للمرتهن بحال ، سواء ملكها بعد الوضع أو قبله ، وسواء حكمنا برق الولد أو حريته ; لأنه أحبلها في غير ملكه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية