الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3471 ) الفصل الثالث ، في البلوغ ، ويحصل في حق الغلام والجارية بأحد ثلاثة أشياء ، وفي حق الجارية بشيئين يختصان بها ، أما الثلاثة المشتركة بين الذكر والأنثى ، فأولها خروج المني من قبله ، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد ، فكيفما خرج في يقظة أو منام ، بجماع ، أو احتلام ، أو غير ذلك ، حصل به البلوغ . لا نعلم في ذلك اختلافا ; لقول الله تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } وقوله { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } وقول النبي صلى الله عليه وسلم { : رفع القلم عن ثلاث ; عن الصبي حتى يحتلم . } وقوله عليه السلام لمعاذ { : خذ من كل حالم دينارا } . رواهما أبو داود .

                                                                                                                                            وقال ابن المنذر وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل ، وعلى المرأة بظهور الحيض منها .

                                                                                                                                            وأما الإنبات فهو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل ، أو فرج المرأة ، الذي استحق أخذه بالموسى ، وأما الزغب الضعيف ، فلا اعتبار به ، فإنه يثبت في حق الصغير . وبهذا قال مالك والشافعي في قول ، وقال في الآخر : هو بلوغ في حق المشركين ، وهل هو بلوغ في حق المسلمين ؟ فيه قولان .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة لا اعتبار به ; لأنه نبات شعر ، فأشبه نبات شعر سائر البدن . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة ، حكم بأن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وأمر أن يكشف عن مؤازرتهم ، فمن أنبت ، فهو من المقاتلة ، ومن لم ينبت ، ألحقوه بالذرية .

                                                                                                                                            وقال عطية القرظي : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة ، فشكوا في ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلي ، هل أنبت بعد ، فنظروا إلي ، فلم يجدوني أنبت بعد ، فألحقوني بالذرية .

                                                                                                                                            متعلق على معناه . وكتب عمر رضي الله عنه إلى عامله ، أن لا تأخذ الجزية إلا من من جرت عليه المواسي . وروى محمد بن يحيى بن حبان ، أن غلاما من الأنصار شبب بامرأة في شعره ، فرفع إلى عمر ، فلم يجده أنبت ، فقال : لو أنبت الشعر لحددتك .

                                                                                                                                            ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالبا ، ويستوي فيه الذكر والأنثى ، فكان علما على البلوغ ، كالاحتلام ، ولأن الخارج ضربان ، متصل ، ومنفصل ، فلما كان من المنفصل ما يثبت به البلوغ ، كان كذلك المتصل .

                                                                                                                                            وما كان بلوغا في حق المشركين ، كان بلوغا في حق المسلمين ، كالاحتلام ، والسن . وأما السن ، فإن البلوغ به في الغلام والجارية بخمس عشرة سنة . وبهذا قال الأوزاعي ، والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال داود : لا حد للبلوغ من السن ، لقوله عليه السلام { : رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبي حتى يحتلم } . وإثبات البلوغ بغيره يخالف الخبر . وهذا قول مالك وقال أصحابه : سبع عشرة ، أو ثماني عشرة .

                                                                                                                                            وروي عن أبي حنيفة في الغلام روايتان . إحداهما ، سبع عشرة ، والثانية ، ثماني عشرة . والجارية سبع عشرة بكل حال ; لأن الحد لا يثبت إلا [ ص: 298 ] بتوقيف ، أو اتفاق ، ولا توقيف في ما دون هذا ، ولا اتفاق .

                                                                                                                                            ولنا ، أن ابن عمر قال { : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزني في القتال ، وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة ، فأجازني } . متفق عليه . وفي لفظ : عرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني ، ولم يرني بلغت ، وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة ، فأجازني . فأخبر بهذا عمر بن عبد العزيز ، فكتب إلى عماله : أن لا تفرضوا إلا لمن بلغ خمس عشرة . رواه الشافعي في " مسنده " ، ورواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه ، وأخذت منه الحدود } .

                                                                                                                                            ولأن السن معنى يحصل به البلوغ ، يشترك فيه الغلام والجارية ، فاستويا فيه ، كالإنزال .

                                                                                                                                            وما ذكره أصحاب أبي حنيفة ، ففيما رويناه جواب عنه ، وما احتج به داود لا يمنع إنبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل ، ولهذا كان إنبات الشعر علما .

                                                                                                                                            وأما الحيض فهو علم على البلوغ ، لا نعلم فيه خلافا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } . رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وأما الحمل فهو علم على البلوغ ; لأن الله تعالى أجرى العادة أن الولد لا يخلق إلا من ماء الرجل وماء المرأة .

                                                                                                                                            قال الله تعالى : { فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب } وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في الأحاديث ، فمتى حملت ، حكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية