الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول :

                                                                                                                                                                                                                              قوله- صلى الله عليه وسلم- «فأبردوها بالماء» زاد في رواية «البارد»

                                                                                                                                                                                                                              قيل : المراد بغسله بالماء إن قيل : الإبراد والإطفاء يحقن الحرارة إلى الباطن فتزيد الحمى وربما يهلك ؟ أجيب بأن المراد من ذلك الحمى الصفراوية ، فإن أصحاب الصناعة الطبية يسلمون أن تبريد صاحبها أن يستقي بالماء البارد ويغسل أطرافه به ، وقيل : المراد الرش بين البدن والثوب ، وقيل : المراد التصدق بالماء عن المريض ليشفه الله تعالى ، لما رواه الإمام أحمد وغيره وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما فعلته أسماء بنت الصديق- رضي الله تعالى عنها- فإنها كانت ترش على البدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه ، فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها ، والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي كانت ممن يلازم بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- أعلم بالمراد من غيرها .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : اختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل : حقيقة ، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم ، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك ، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة ، أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة ، وقيل : بل الخبر ورد مورده التشبيه والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم ، تنبيها للنفوس على شدة حر النار ، وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها ، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال ابن القيم : قوله «بالماء» فيه قولان : أحدهما : أنه كل ماء وهو الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه ماء زمزم . [ ص: 164 ]

                                                                                                                                                                                                                              واختلف من قال : إنه على عمومه هل المراد به الصدقة بالماء أو استعماله على قولين والصحيح أنه استعماله .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام المازري : لا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشيء دواء له في ساعة ، فيصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له ، فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء من حاله ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال ، والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء والتأثير المألوف وقوة الطباع ، ويحتمل أن يكون هذا في وقت مخصوص ، فيكون من الخواص التي اطلع عليها النبي- صلى الله عليه وسلم- بالوحي ، ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : جعل ابن القيم خطابه- صلى الله عليه وسلم- خاصا بأهل الحجاز وما والاهم إذا كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس ، قال : وهذا ينفع فيها الماء البارد شربا واغتسالا لأن الحمى حرارة تستعمل في القلب ، وتنبت منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن ، وهي قسمان : عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس ونحو ذلك ومرضية : وهي ثلاثة أنواع ، وتكون من مادة ومنها ما يسخن جميع البدن ، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم ، لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتها ثلاثة أيام ، وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف : صفراوية وسوداوية وبلغمية ودموية .

                                                                                                                                                                                                                              وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب انتهى . [ ص: 165 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية