الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا أمر الرجل وكيله بشراء عبد فلا يخلو حاله من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعين العبد ويعين ثمنه .

                                                                                                                                            والثاني : أن لا يعين العبد ولا يعين ثمنه .

                                                                                                                                            والثالث : أن يعين العبد ولا يعين ثمنه .

                                                                                                                                            [ ص: 548 ] والرابع : أن لا يعين العبد ويعين ثمنه .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يعين العبد ويعين ثمنه ، كقوله اشتر لي سالما بمائة دينار ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشتريه بالمائة .

                                                                                                                                            والثاني : أن يشتريه بأقل منها .

                                                                                                                                            والثالث : أن يشتريه بأكثر منها .

                                                                                                                                            فإن اشتراه بالدنانير لكن بأقل من مائة دينار كأن اشتراه بخمسين دينارا صح ولزم الموكل ؛ لأن حصول العبد له ببعض الثمن أحظ له ، فإن قيل : أفليس لو وكله في بيع عبده على زيد بمائة دينار فباعه عليه بأكثر من مائة دينار لم يجز لأنه وكله في محاباته ، فمثلا إذا وكله في شراء عبد بمائة دينار أن لا يجوز الشراء بأقل منها لأنه قد وكله في محاباته .

                                                                                                                                            قيل : الفرق بينهما أنه إذا وكله في البيع بالمائة لم يجز بيعه بأكثر منها لأنه ممنوع من قبض الزيادة ، وليس للوكيل قبض ما منع من قبضه ، وإذا وكل في الشراء بالمائة جاز الشراء بأقل منها لأنه مأمور بدفع الزيادة ودفع الوكيل البعض جائز وإن منع الزيادة .

                                                                                                                                            ولو أمره أن يشتريه بمائة دينار ، ولا يشتريه بأقل منها فاشتراه بأقل من المائة لم يجز لأنه أعلم بصلاح نفسه .

                                                                                                                                            ولو قال اشتره بمائة دينار ولا تشتريه بخمسين دينارا جاز أن يشتريه بالمائة وبما بين الخمسين والمائة ، ولا يجوز أن يشتريه بخمسين للنهي عنها ، وهل يجوز أن يشتريه بأقل من خمسين ؟ على وجهين حكاهما ابن سريج :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز لأن الوكيل مندوب إلى الاسترخاص إلا ما نهاه عنه من القدر لمعنى هو أعلم به من يمين حلف عليها أو غير ذلك من أمور .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز لأن الإذن بالمائة لما دخل فيه ما هو أقل منها كان النهي عن الخمسين داخلا فيه ما هو أقل منها .

                                                                                                                                            فهذا حكم العبد إذا اشتراه بأقل من المائة ، فأما إذا اشتراه بأكثر من المائة كأن اشتراه بمائة وخمسين دينارا أو مائة دينار وقيراط ، فالشراء غير لازم للموكل وهو لازم للوكيل إن لم يشتره بعين المال ، هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه .

                                                                                                                                            وقال أبو العباس بن سريج : الشراء لازم للموكل بالمائة دينار التي عين عليها والوكيل [ ص: 549 ] ضامن للزيادة في ماله وعليه غرمها للبائع لأنه يصير لمجاوزته القدر المعين متطوعا بها ، وهذا خطأ لأن الزيادة في جملة الثمن الذي لزم بالعقد فلم يجز أن يتبعض حكمه .

                                                                                                                                            ولو جاز أن تكون الزيادة بقدر المغابنة في الشراء مضمونة على الوكيل مع صحة الشراء للموكل لكان النقصان بقدر المغابنة في البيع مضمونا على الوكيل مع لزوم البيع للموكل .

                                                                                                                                            وهذا مما لم ير به أبو العباس في البيع ، فبطل المذهب إليه في الشراء .

                                                                                                                                            فإن اشتراه بالمائة دينار صح ولزم الموكل .

                                                                                                                                            وإن اشتراه بمائة درهم لم يلزم الموكل وإن كانت الدراهم أقل من قيمته لأن عدوله عن جنس الثمن كعدوله عن عين العبد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية