الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويباع عليه مسكنه وخادمه لأن من ذلك بدا " .

                                                                                                                                            [ ص: 328 ] قال الماوردي : وهذا كما قال : يباع على المفلس في دينه مسكنه وخادمه ، وإن كان إليهما محتاجا .

                                                                                                                                            وقال أحمد وإسحاق : لا يجوز بيعها عليه .

                                                                                                                                            ورووا عن عمر بن عبد العزيز تعلقا بحديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حظ ابن آدم من الدنيا ثلاث : خرقة تواريه ، وكسوة تكفيه ، ومسكن يئويه قال ابن عمر : وأنا أزيد فيه : وزوجة يسكن إليها .

                                                                                                                                            قالوا : ولأنه لما لم يجز بيع ثيابه التي عليه لحاجته إليها لم يجز بيع مسكنه وخادمه لحاجته إليهما ، قالوا : ولأنه لما كان كالمعسرين في الكفارة وكالفقراء في أخذ الزكاة فكذلك في المفلس ، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم لغرماء معاذ : خذوا ما وجدتم ليس لكم غيره .

                                                                                                                                            ولأنه لا حاجة به إلى تملك المسكن والخادم لأنه قد يقدر على مسكن يكرى وخادم بأجرة ، وبذلك قد جرت العادة ، وهي معنى قول الشافعي : لأن من ذلك بدا ، أي : من ملك المسكن دون سكناه ، ومن ملك الخادم دون استخدامه ، وإذا كان عن ذلك مستغنيا وجب بيعه عليه كسائر أمواله ، ولأنه لما بيع عليه ضياعه وإن كان محتاجا إلى استغلالها جاز أن يباع عليه داره ، فإن كان محتاجا إلى سكناها ، فأما الجواب عن الخبر فهو أنه وارد في غير المفلس لأنه قال : " حظ ابن آدم من الدنيا ثلاث " ، والمفلس ليس له في الدنيا حظ ولا ينزل عليه منها نصيب ، وأما ترك ثيابه عليه فلحاجته إليها ، وأن العادة لم تجر بإجارتها وهي بإجارة الدور والخدم جارية ، وأما الكفارة فالفرق بينها وبين دين المفلس من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها حق لله تعالى يتسع للمسامحة فلم يبع فيها المسكن والخادم ، والدين حق لآدمي يضيق عن المسامحة فبيع فيه المسكن والخادم .

                                                                                                                                            والثاني : أن للكفارة بدلا من المال وهو الصيام ، فلم يبع عليه مسكنه لرجوعه إلى بدل ، وليس للمال في دين الآدمي بدل ، وأما أخذه للزكاة كالفقراء مع وجود الخادم والمسكن فالفرق بينهما أن المقصود بأخذ الزكاة الاستغناء بها ، فجاز أن يأخذها وإن كان له بعض الغناء ، وفي الفلس قضاء الدين فلم يجز أن يؤخر مع وجود بعض الغناء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية