الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الرابع وهو شركة المفاضلة وهو أن يتفاضلا في المال ويتساويا في الربح أو يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح فهذه شركة باطلة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : هي شركة جائزة استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم المؤمنون عند شروطهم قال : ولأن عقد الشركة كالمضاربة ، ولأن العمل في المضاربة بمنزلة مال أحد الشريكين في الشركة ، ولأن كل واحد منهما في مقابلة جزء من الربح فلما جاز في المضاربة أن يشترط أحدهما من الربح أكثر من الآخر كذلك في الشركة ، ولأن أحد الشريكين قد يكون أكثر عملا فيستحق مع قلة ماله لأجل عمله أكثر ربحا .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أن التفاضل في المال يمنع من التساوي في الربح ، أصله إذا أطلقا العقد .

                                                                                                                                            ولأن الشركة قد تفضي إلى الربح تارة وإلى الخسران تارة أخرى فلما كان الخسران يقسط على المال ولا يتغير بالشرط وجب أن يكون في الربح مثله يتقسط على المال ولا يتغير بالشرط وقد يتحرر من اعتلال هذا الاستدلال قياسان : أحدهما : أن الربح أحد موجبي العقد فوجب إذا كان شرطه مخالفا لمطلقه أن يبطل العقد كالخسران .

                                                                                                                                            والثاني : أن كل شرط لو كان في الخسران بطل به العقد ووجب إذا كان في الربح أن يبطل به العقد ، أصله إذا شرط بينهما الأجنبي ولأنه نماء مال مودع فوجب أن يكون مقسطا على تفاضل المال كالماشية والثمرة .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم المؤمنون عند شروطهم فقد قال فيه إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم بالمضاربة فالمعنى في المضاربة أنه لما كان إطلاقها يقتضي تساويها في الربح جاز أن يتشارطا التفاضل في الربح وليس كذلك الشركة .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم بأن عمل أحدهما قد يكون أكثر فليس بصحيح : لأن العمل في الشركة لا يقابل شيئا من الربح ألا ترى [ ص: 477 ] أنهما لو أطلقا الشركة لم يتقسط الربح على العمل ولا استحق عوضا فيه فبطل الاستدلال به ، فإذا ثبت ما ذكرنا فشركة المفاضلة على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتساويا في المالين ويتفاضلا في الربحين ، مثاله أن يكون المال بينهما نصفين والربح بينهما نصفين ، والربح بينهما أثلاثا فهذه شركة باطلة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يتفاضلا في المالين ويتساويا في الربحين مثاله أن يكون المال بينهما أثلاثا والربح بينهما نصفين فهو شركة باطلة .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يتفاضلا في المالين ويتفاضلا بحسبه في الربحين ، مثاله : أن يكون المال بينهما أثلاثا لأحدهما ثلثان وللآخر ثلثه ، ويكون الربح بينهما أثلاثا لصاحب الثلثين ثلثاه ، ولصاحب الثلث ثلثه فمذهب الشافعي جواز هذه الشركة لأن الربح فيها مقسط على قدر المالين ، ومن أصحابنا من ذهب إلى بطلانها حتى يتساوى الشريكان في رأس المال ، وتعلق بقول المزني والشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد منهما مثل دنانير صاحبه ويخلطانها فيكونان فيها شريكين فجعل قوله مثل دنانير صاحبه محمولا على مثلها في القدر وهذا تأويل فاسد لأن مراده بالمثل إنما هو المثل في الجنس والصفة دون العقد وإذا لم تصح شركة المفاضلة في الضربين الأولين فهل يكون شرط التفاضل فيها موجبا لبطلان الشركة بمعنى بطلان الإذن في التجارة بالمال المشترك أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قد بطل الإذن لبطلان الشرط فيه فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في جميع المال ، فإن تصرف فيه كان كمن تصرف في مال مشترك عن شركة فاسدة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن اشتراط التفاضل بالشرط لا يوجب بطلان الإذن فيجوز أن يتجر كل منهما بجميع المال ويكون الربح مقسوما بالحصص ، فلو كان ثلث المال لأحد الشريكين وثلثاه للآخر فشرطا أن يكون الربح بينهما نصفين على أن ينفرد بالتجارة صاحب الثلث وحده جاز وكانت هذه شركة مضاربة بالبدن لأن العامل يأخذ الثلث بملكه وتمام النصف بعمله وخرج عن حكم المفاضلة إلى حكم المضاربة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية