الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وفي شرط منفعة الجاعل ) أي هل يشترط لصحة الجعل توقفه على منفعة للجاعل بما يحصله العامل كآبق ، أو لا يشترط كأن يجعل له دينارا على أن يصعد جبلا مثلا لا لشيء يأتي به ( قولان ) المشهور الأول ولا يجوز الجعل على إخراج الجان من شخص ولا على حل سحر ولا حل مربوط ; لأنه لا يعلم حقيقة ذلك ( ولمن لم يسمع ) الجاعل يقول : من فعل كذا فله كذا ( جعل مثله ) ولو زاد على ما سماه الجاعل على فرض لو سمى شيئا ( إن اعتاده ) ولو كان ربه يتولى ذلك ( كحلفهما ) أي المتجاعلين ( بعد تخالفهما ) أي بعد اختلافهما في قدر الجعل بعد تمام العمل - ولم يشبها - فيقضى له بجعل المثل فإن أشبه أحدهما فالقول له بيمين ويقضى للحالف على الناكل ، ونكولهما كحلفهما فإن أشبها معا فالقول لمن العبد - مثلا - في حوزه منهما ( ولربه ) أي الآبق مثلا ( تركه ) للعامل حيث لم يسمع من عادته طلب الضوال وأتى به لربه كانت قيمته قدر جعل [ ص: 65 ] المثل ، أو أقل أو أكثر ولا مقال له بخلاف ما إذا سمعه سمى شيئا ولو بواسطة فله ما سماه ولو زاد على قيمة العبد لأن ربه ورطه ( وإلا ) يكن من لم يسمع معتادا لطلب الأباق ( فالنفقة ) فقط أي فله أجرة عمله في تحصيله وما أنفقه عليه من أكل وشرب وركوب احتاج له ولا جعل له ( وإن ) ( أفلت ) العبد من يد العامل قبل إيصاله لربه ( فجاء به آخر ) قبل أن يصل لمكانه الأول ( فلكل ) من العاملين ( نسبته ) من الجعل فإن جاء به الأول ثلث الطريق مثلا والثاني باقيها كان للأول الثلث في الجعل المسمى وللثاني ثلثاه فإن أتى به الثاني بعد أن وصل لمكانه الأول فلا شيء للأول ( وإن جاء به ذو درهم ) سماه له ( وذو أقل اشتركا فيه ) أي في الدرهم فيقتسمانه بنسبة ما سماه لكل فلذي الدرهم ثلثاه ولذي النصف ثلثه فإن تساوى ما سماه لكل قسم ما سماه لأحدهما نصفين فإن سمى لهما ، أو لأحدهما عرضا اعتبرت قيمته ( ولكليهما الفسخ ) قبل الشروع في العمل ( ولزمت الجاعل بالشروع ) فيه دون العامل .

التالي السابق


( قوله : وفي شرط منفعة الجاعل ) أي هل يشترط في صحة الجعل أن يكون فيما يحصله العامل منفعة تعود على الجاعل أو لا يشترط . ؟ ( قوله : لأنه لا يعلم حقيقة ذلك ) أي أنه لا يتأتى الوقوف على كون الجان خرج ، أو لا ، ثم إن هذا التعليل يقتضي أنه إذا تكرر النفع من ذلك العامل وجرب وعلمت الحقيقة جاز الجعل على ما ذكر وبه أفتى ابن عرفة وقيد ذلك بما إذا كانت الرقية عربية ، أو عجمية معروفة المعنى من عدل ولو إجمالا لئلا تكون ألفاظا مكفرة . ( قوله : ولمن لم يسمع الجاعل ) أي لا مباشرة ولا بواسطة ، وإلا استحق المسمى بتمام العمل وحاصله أنه إذا قال المالك من أتى بعبدي الآبق فله كذا فجاء به شخص لم يسمع كلام ربه لا مباشرة ولا بواسطة ، وأن ربه لم يقل شيئا فجاء به شخص فإنه يستحق جعل المثل ، سواء كان جعل المثل أكثر من المسمى ، أو أقل منه ، أو مساويا له بشرط كون ذلك الشخص الآتي به من عادته طلب الأباق فإن لم يكن عادته ذلك فلا جعل له وله النفقة فقط فقول المصنف " ولمن لم يسمع ربه " صادق بأن لا يحصل من ربه قول أصلا يسمعه وبما إذا حصل منه قول ولكن لم يسمعه العامل لا مباشرة ولا بواسطة . ( قوله : ولو كان ربه يتولى ذلك ) أي شأنه أن يتولى ذلك بنفسه أو بخدمه . ( قوله : كحلفهما ) أي ويبدأ أحدهما بالقرعة كذا قيل والظاهر أنه يبدأ العامل لأنه بائع لمنافعه ا هـ شيخنا عدوي . ( قوله : أي بعد اختلافهما في قدر الجعل ) حمل المصنف على اختلافهما في قدر الجعل متعين خلافا لمن حمله على اختلافهما في السماع وعدمه بأن ادعى العامل أنه سمع ربه يقول : من أتى بعبدي فله كذا وقال ربه : لم تسمع بل أتيت به ولم تسمع مني شيئا وذلك لأنهما عند تنازعهما في السماع وعدمه لا يتحالفان والقول قول ربه ، ثم ينظر في العامل هل عادته طلب الإباق فله جعل مثله أم لا فله النفقة فقط . ( قوله : ونكولهما ) في حالة عدم شبههما كحلفهما في كونه يقضى للعامل بجعل المثل . ( قوله : فالقول لمن العبد مثلا في حوزه منهما ) فإن وجد ولم يكن بيد واحد منهما بأن كان بيد أمين فالظاهر أن حكمه حكم ما إذا لم يشبه واحد منهما فيتحالفان ويقضى بجعل المثل وما ذكره الشارح من أنهما إذا أشبها فالقول لمن العبد في حوزه هو ما ارتضاه ابن عبد السلام وقال ابن هارون : إذا أشبها معا فالقول للجاعل لأنه غارم ابن عرفة : وقول ابن عبد السلام أظهر انظر ح . ( قوله : ولربه تركه ) هذا راجع لما فيه جعل المثل .

وحاصله أنه إذا جاء العامل الذي شأنه طلب الإباق بالآبق قبل أن يقول ربه من أتى بعبدي فله كذا فلرب العبد تركه لمن جاء به عوضا عما يستحقه من جعل المثل فإن التزم ربه جعلا ولم يسمعه الآتي به فهل كذلك لرب العبد تركه لمن جاء به عوضا عما يستحقه من جعل المثل وهو ما قاله عج ونازعه طفى بأن له في هذه الحالة جعل مثله إن اعتاد طلب الإباق وإلا فالنفقة وليس لربه أن يتركه له في هذه الحالة انظر بن [ ص: 65 ] وتأمل ذلك . ( قوله : ما إذا سمعه ) أي ما إذا سمع العامل ربه سمى شيئا . ( قوله : فالنفقة فقط ) أي بخلاف ما إذا اعتاده ووجب له جعل المثل ، أو وجب له المسمى فإن نفقة الآبق على العامل ولو استغرقت الجعل ا هـ عبق . ( قوله : أي فله أجرة عمله إلخ ) الأولى أي فله ما أنفقه حال تحصيله على نفسه وعلى العبد من أجرة دابة ، أو مركب اضطر لها بحيث لم يكن الحامل على صرف تلك الدراهم إلا تحصيله ; لأن تلك الدراهم بمثابة ما فدى به من ظالم وأما ما شأنه أنه ينفقه العامل على نفسه في الحضر كالأكل والشرب فلا يرجع به على ربه ، وإن كان السفر متفاوتا بأن كان المأكول في محل العامل أرخص منه في البلد التي سافر إليها لتحصيل العبد فإنه يرجع بما بين السفرين في التفاوت ا هـ تقرير شيخنا عدوي .

( قوله : وما أنفقه عليه من أكل وشرب ) الأولى إسقاط ذلك لأن نفقة الطعام والشراب والكسوة على ربه ولو وجب للعامل جعل المثل ، أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه فالأولى للشارح أن يقول أي فله ما أنفقه في تحصيله من أجرة مركب ، أو دابة احتاج لهما وأجرة من يقبضه له إن احتاج الحال لذلك . ( قوله : وإن أفلت ) يستعمل لازما ومتعديا يقال أفلته وأفلت بنفسه فيصح في المتن قراءته بالبناء للفاعل أو المفعول . ( قوله : فجاء به آخر ) أي من غير استئجار ولا مجاعلة أي والحال أن عادة ذلك الآخر طلب الإباق . ( قوله : لمكانه الأول ) أي الذي كان آبقا فيه . ( قوله : نسبته ) أي نسبة عمله منظورا في ذلك لسهولة الطريق وصعوبتها لا لمجرد المسافة . ( قوله : وإن جاء به إلخ ) يعني أن رب الآبق إذا جعل لرجل درهما على أن يأتيه بعبده الآبق وجعل لآخر نصف درهم على أن يأتيه بعبده فأتيا به معا فأنهما يشتركان في ذلك الدرهم إذ هو غاية ما يلزم رب العبد بنسبة ما سماه لكل واحد بمجموع التسميتين فيأخذ الأول ثلثيه ويأخذ الثاني ثلثه ; لأن نسبة نصف الدرهم إلى درهم ونصف ثلث ونسبة الدرهم كذلك ثلثان هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم وقال ابن نافع وابن عبد الحكم : إن لكل واحد منهما نصف ما جعل له ورجحه التونسي واللخمي فقوله : وإن جاء به ذو درهم أي سماه له وقوله : وذو أقل أي سماه له أيضا وقوله : بنسبة ما سماه لكل أي لمجموع التسميتين . ( قوله : قسم ما سماه لأحدهما نصفين ) أي باتفاق القولين المتقدمين . ( قوله : اعتبرت قيمته ) أي فلو جعل لأحدهما عشرة وللآخر عرضا وأتيا به معا فعلى قول ابن القاسم يقوم العرض فإن ساوى خمسة فلصاحب العشرة ثلثاها ويخير صاحب العرض بين أن يأخذ ثلث العشرة ، أو ما يقابل ذلك من العرض الذي جعل له وأما على مقابله فلصاحب العشرة نصفها ولصاحب العرض نصفه فإن جعل لكل منهما عرضا واختلفت قيمتهما ، أو اتفقت جرى على ما تقدم . ( قوله : ولكليهما الفسخ ) أي الترك ; لأنه عقد جائز غير لازم والعقد الغير اللازم لا يطلق على تركه فسخ إلا بطريق التجوز إذ حق الفسخ إنما يستعمل في ترك الأمر اللازم والعلاقة المشابهة للعقد اللازم في الجملة . ( قوله : ولزمت الجاعل ) المراد به ملتزم الجعل لا من تعاطى عقده فقط كالوكيل الذي لم يلتزم جعلا وظاهره اللزوم للجاعل بالشروع ولو فيما لا بال له فلا مقال له في حله بل يلزمه البقاء بخلاف العامل فإنه باق على خياره .




الخدمات العلمية