الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ولأحد الوكيلين الاستبداد إلا لشرط )

                                                                                                                            ش : ما ذكره ابن غازي هنا كاف فيما يتعلق بكلام المؤلف ونحو عبارته لصاحب الإرشاد في إرشاده وفي معتمده وشرحه واعترضه الشيخ سليمان بما اعترض به المصنف على ابن الحاجب والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض ) ش قال في كتاب الوكالات من المدونة ( تنبيهان الأول ) : إنما يكون الثاني أحق إذا قبض السلعة ، ولم يعلم ببيع الأول لا هو ولا الذي باعه أما إن باع الثاني منهما ، وهو عالم ببيع الأول ، وقبض المشتري الثاني السلعة ، وهو يعلم ذلك في وقت قبضه فالأول أولى قاله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات .

                                                                                                                            ( الثاني ) : إذا أكرى الوكيل والموكل ، فهي للأول على كل حال قاله ابن رشد في الرسم المذكور ونقله أبو الحسن قال ابن رشد ; لأنه لا يدخل في ضمان من قبضه والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ولك قبض سلمه لك إن ثبت ببينة ) ش قال في كتاب السلم الثاني من المدونة ولك قبض ما أسلم لك فيه وكيلك بغير حضرته ويبرأ إذا دفعه إليك إن كانت لك بينة أنه أسلمه لك وإن لم يكن دفع إليك ذلك ببينة فالمأمور أولى بقبضه منك قال أبو الحسن : قال ابن يونس : حكي عن القابسي أنه قال : ولو أقر الذي عليه الطعام بأن المأمور أقر عنده أن الطعام للمقر له لا يجبر على دفعها ، ولا يكون شاهدا ; لأن في شهادته منفعة له ; لأنه يجب أن يفرغ ذمته .

                                                                                                                            قال : وقد رأى بعض أصحابنا أنه يؤمر بالدفع إلى المقر له فإن جاء المأمور فصدقه برئ وإلا غرم له ثانية وقال بعض القرويين : إن ما قاله القابسي من أن من عليه الحق لا يكون شاهدا نحوه في كتاب ابن سحنون عن أبيه وقال بعض القرويين : شهادته في هذا جائزة إذا كان عدلا ويحلف المقر معه : ويستحق ولا تهمة في ذلك إذا حل الأجل انتهى . فحاصله أنه اختلف هل يقضى عليه بإقراره أو لا ؟ على قولين وعلى القول بعدم القضاء فهل يكون شاهدا ؟

                                                                                                                            قولان قال في الشامل وفي جبر مسلم إليه على الدفع لمن أقر له المسلم الغائب قولان وفي كونه كشاهد إن كان عدلا يحلف معه المستحق ، ويأخذ ذلك قولان أما إن ثبت ببينة فله قبضه اتفاقا انتهى . وما ذكره عنالقابسي من عدم جبره على الدفع هو الذي جزم به القاضي عبد الوهاب في المعونة فقال : إذا وكله على قبض دين له على رجل أو وديعة عنده فصدق الغريم الوكيل وليس للوكيل بينة ، فلا يجبر الغريم على دفع الشيء للوكيل خلافا لأبي حنيفة ; لأنه [ ص: 212 ] لا يلزم الغريم أن يدفع إلا ما يبرأ به بدليل أنه لو كان عليه حق ببينة ، فطالب صاحبه به كان له أن يمنعه حتى يحضر الوثيقة ، وتسقط شهادة الشهود والدفع بالإقرار لا يبرأ به بدليل أن صاحب الحق إن جحد الوكالة لزمه دفعه إليه ثانية وإن كان كذلك لم يلزمه الدفع وتحريره أن يقال كل من لا يبرأ بالدفع إليه لم يجبر على دفعه إليه كالأجنبي ; ولأنه أقر على غيره بالتوكيل ، فلم يلزمه علم ذلك الإقرار بتسليم ما في يده إلى الوكيل انتهى .

                                                                                                                            ، وعليه اقتصر اللخمي في كتاب الوديعة وقال ابن فرحون في الفصل الخامس من القسم الثالث من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الأول من أقسام الكتاب في التنبيه على أحكام تتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول إنه المشهور ونصه ، ولو صدق الخصم الوكيل في الدعوى ، واعترف بالمدعى به لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة انتهى .

                                                                                                                            وتقدم كلامه هذا عند قول المؤلف وواحد في خصومة وقال في آخر الفصل السادس في حكم الوكالة على الدعوى : إنه إذا صدقه على الوكالة ، وأقر بالدين ألزم بالدفع إليه ، ونصه مسألة في المطلوب يوافق على صحة الوكالة قبل ثبوتها وإذا قام رجل على رجل في مهر امرأته أو دين رجل وادعى وكالة صاحب ذلك فأقر المطلوب بالدين أو بالمهر واعترف بصحة الوكالة ، فإنه يلزمه دفع ذلك إليه ، فإن قام صاحب الحق على المطلوب يطلبه بذلك قضى له به ; لأنه إنما يقضى عليه أولا بإقراره والمصيبة منه انتهى .

                                                                                                                            وله في الباب السبعين في القضاء بالأمارات وقرائن الأحوال ما يوافق ذلك وعزاه للمتيطية ونصه في المتيطية حكى ابن حبيب عن سحنون فيمن قال لرجل وكلني فلان على قبض دينه منك وعدده كذا فصدقه في الوكالة وأقر بالدين أنه يلزمه الدفع إليه . فإن قدم فلان وأنكر التوكيل غرم المقر ; لأن الحكم كان بإقراره انتهى .

                                                                                                                            وفيه ما يؤخذ منه ما يخالف هذا ويوافق ما تقدم عن الفصل الخامس وما ذكره من لزوم الدفع جار على ما ذكره ابن يونس عن بعض أصحابنا وما ذكره عن القابسي أرجح ، ويكفي في ترجيحه اقتصار القاضي عبد الوهاب واللخمي عليه وتشهير ابن فرحون له والظاهر عندي من القولين في شهادته عدم قبولها والله أعلم . وهو الذي يؤخذ من مسألة السلم الثاني التي ذكرها المؤلف هنا وهو مفهوم قول المؤلف إن ثبت ببينة بأن مفهومه لو ثبت بإقرار المسلم إليه لم يأخذه ; لأنه لم يثبت ببينة .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : قال في المعونة إثر كلامه المتقدم فصل إذا ثبت أنه لا يجبر على الدفع ، فمتى دفع إلى من يعترف له بأنه وكيل بغير بينة على الوكالة ، فإن اعترف له صاحب الحق ، فقد برئ وإن أنكر الوكالة ، وأقر أنه قبض الحق برئ الغريم أيضا ; لأن ثبوت الوكالة ليس بشرط في الإبراء كما لو بعث به الغريم على يد رسول ابتداء ، واعترف صاحب الحق بقبضه لبرئ الغريم فإن أقر صاحب الدين بالوكالة وأنكر أن يكون الغريم دفع الحق إلى الوكيل لم يلتفت إلى إقرار الوكيل بالقبض أو إنكاره ولزم الغريم إقامة البينة بالدفع إلى الوكيل فإن لم تقم بينة غرم ذلك لصاحب الحق ; لأن الغريم هو الذي أتلف ماله حين دفع إلى من لا يبرأ بالدفع إليه ، وكذلك لو كانت الوكالة ببينة ، فدفع الغريم إلى الوكيل بغير بينة ، وأنكر صاحب الحق فإن الغريم يغرم المال ; لأن إقرار الوكيل بالقبض غير مقبول على الموكل ; لأن الوكيل أمين فيما بينه وبين موكله لا فيما بينه وبين غيره وإذا كان كذلك فإن الغريم يغرم المال ثانية وله إحلاف صاحب الحق أنه لم يقبضه ، ولم يعلم بدفعه الحق إلى وكيله ، ثم ينظر فإن ادعى الوكيل أنه دفع المال إليه ببينة وأقامها فإن الغريم يبرأ بذلك .

                                                                                                                            ولا يحتاج إلى إقامة بينة على الدفع إلى الوكيل ; لأن البينة قد شهدت بقبض صاحب الحق لحقه ، وإن ادعى الدفع إلى صاحب الحق بغير [ ص: 213 ] بينة ، فلا يلزم ذلك صاحب الحق على ما بينا انتهى . بلفظه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية