الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وقضى بأخذ المدين الوثيقة ، أو تقطيعها لإصداق قضي )

                                                                                                                            ش : يعني أن المديان إذا دفع الحق لصاحبه ، وأراد أخذ الوثيقة ، أو تقطيعها فإنه يقضى له بذلك إن امتنع رب الدين من ذلك ، قال الشيخ أبو الحسن الصغير في آخر كتاب المديان عند قول المدونة : ومن أمر رجلا يدفع إلى فلان ألف درهم قال : عني ، أو لم يقل ، ثم قال الآمر كانت لي دينا على المأمور وأنكر المأمور ، وقال : بل أسلفته إياها فالقول قول المأمور قال أبو إسحاق إلا أن يعلم أن مثله لا يملك هذا القدر لعدمه وفلسه ، يؤخذ من هذه المسألة من اقتضى دينا لا يلزمه أن يدفع الوثيقة لغريمه المطلوب خوف دعوى السلف ، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ وابن دينار : يجبر على دفعها وتقطع ، قال ابن الهندي : ولا يبرأ بدفعها إلى الغريم إذا قام الطالب عليه واستظهر المطلوب في الوثيقة أنه يقول : سقطت مني فحكم عليه بردها للطالب وبالغرم بعد يمين الطالب ا هـ .

                                                                                                                            وقال في العتبية في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب المديان : وسئل عن رجل لقي رجلا قال : أشهدك أني قد تقاضيت من فلان مائة دينار كانت لي عليه فجزاه الله خيرا ، فإنه أحسن قضائي فليس لي عليه قليل ولا كثير فلقي الرجل الذي أشهد الرجل الذي زعم أنه قضاه فأخبره بما قال له قال : كذب إنما أسلفته ذلك قال : ابن القاسم القول قول الذي زعم أنه أسلفه مع يمينه إلا أن يأتي الآخر بالبينة أنه تقاضاها في دينه قال ابن رشد إثرها : ويأتي على أصل أشهب في قوله : إنه لا يؤاخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه أن يكون القول قول المقتضي ، وهو قول ابن الماجشون نصا في هذه المسألة بعينها .

                                                                                                                            ويقوم من هذه المسألة أن من كان له حق على رجل بوثيقة فدفع الذي عليه الحق إلى الذي له عليه الحق ودعا إلى قبض الوثيقة منه ، أو تحريقها أن ذلك ليس له وإنما له أن يشهد عليه وتبقى الوثيقة بيد صاحب الدين ; لأنه يدفع بها عن نفسه إذ لعل الذي كان عليه الدين أن يستدعي بينة قد سمعوا إقرار صاحب الدين بقبضه منه ، أو حضر ودفعه إليه ، ولم يعلموا على أي وجه كان الدفع فيدعي أنه إنما دفع إليه ذلك المال سلفا ، أو وديعة ويقول : هات بينة تشهد لك إنما قبضت ذلك [ ص: 56 ] مني من حق واجب لك فبقاء الوثيقة وقيامه بها يسقط هذه الدعوى التي تلزمه ، وقد كان شيخنا الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقيم ذلك فيما أخبرني عنه غير واحد من أصحابنا ، وما أشك أن يكون في كلام سمعه منه من آخر مسألة من كتاب المديان من المدونة وهو كلام صحيح إلا أن محمد بن عبد الحكم يرى له من الحق أخذ الوثيقة وقطعها وهو قول عيسى بن دينار في بعض روايات العتبية وهو قول أصبغ في الواضحة ا هـ .

                                                                                                                            وقال ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والستين : وللذي عليه الدين أخذ وثيقة الدين من صاحبها ، أو يقضى عليه بتقطيعها ، وقاله ابن العطار ونحوه في الواضحة وكتاب الحداني وبه القضاء ، وقال : محمد بن عبد الحكم لا يقطع وثيقة الدين ولا يجبر ربها على إعطائها ، ويجبر على أن يكتب له براءة في الموضع الذي فيه الشهود عليه ونحوه في وثائق ابن الهندي ; لأنه سبب لوجوب اليمين عليه إن ادعى عليه بعد ذلك دعوى كاذبة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية