الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثامن: كونه خارج العالم لا يخلو إما أن يستلزم كونه حاصلا في الحيز أو لا يستلزم ذلك، فإن كان ذلك لا يستلزم كونه متحيزا أمكن أن يقال: هو خارج العالم ولا يكون متحيزا، وحينئذ فالعلم بأن الموجود لا يكون إلا داخل العالم أو خارجه لا ينافيه العلم بأنه إما أن يكون حاصلا في الحيز أو لا يكون؛ فإن لم ينافه لم يكن هذا جوابا عن الأول؛ بل يكون قول الأولين: أن الموجود إما داخل الآخر أو خارجه صحيحا، وذلك / يوجب أن يكون الباري إما داخل العالم وإما خارجه، وهو مقصودهم، وإن كان مع ذلك ليس بحاصل في الحيز، وهذا يقوله من يقول: إنه فوق العرش، مباين للعالم وليس بجسم [ ص: 168 ] فقوله: الموجود إما حاصل في الحيز، وإما غير حاصل في الحيز، حينئذ يجتمع مع قول الأولين على هذا التقدير فلا يضرهم التزامه، وإن كان هذا منافيا للأول بحيث أنه إذا قيل: الموجود قد يكون حاصلا في الحيز وقد لا يكون، وما ليس في الحيز ليس بداخل في غيره ولا خارج منه كان قول من قال: إن الموجود لا يكون إلا داخلا في غيره أو خارجا، قولا منهم بأنه لا موجود إلا حاصل في الحيز، وهذا هو الذي يقوله من يقول: ليس فوق العرش، وليس بجسم كما يقوله المؤسس وذووه ويقوله من يقول: هو فوق العرش وهو جسم، وهو أيضا يقتضي قول من قال: إن الله فوق العرش بحد.

وعلى هذا التقدير فيكون الأئمة الذين قالوا إنه لا موجود مع غيره إلا داخل الآخر أو خارجه، أو أنه على العرش يقولون بهذا وأنـ [ـه] كان كذلك، وقد علم أن هؤلاء يقولون: إن العقل الصريح يمنع وجود موجود لا داخل الآخر ولا خارجه، فيكونون هؤلاء على هذا التقدير يقولون: إن العقل الصريح يأبى [ ص: 169 ] وجود موجود غير حاصل في الحيز على هذا التقدير والتفسير، وقد صرح طوائف من أهل الكلام باللغة التي يتخاطبون بها بذلك، وقالوا: لا موجود إلا الجسم، أو الجسم وما يقوم به، وقالوا: لا يعقل موجود إلا كذلك، ومن ادعى وجود موجود غير ذلك فقد خالف العقل الصريح، وهذا كله إذا ادعى المنازع ذلك بغير قياس على القديم والمحدث، وأما تقديره بالقياس فيقال في:

التالي السابق


الخدمات العلمية