الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الرابع: أن هذه الحجة مدارها أنه إذا كان مؤثرا تاما وجب وجود الأثر مقارنا له، وإذا لم يكن مؤثرا تاما امتنع وجود الأثر عنه إذا لم يكن تاما، وامتنع أن يتم المؤثر بعد ذلك؛ لأنه يستلزم التسلسل، وحينئذ فيلزم امتناع إحداثه بعد أن لم يكن محدثا، فلابد في هذه الجهة من تقدير هذه المقدمات، ومطلوبهم ثبوت القسم الأول، وهو أنه مؤثر تام فيجب مقارنة الأثر له، ويمتنع تخلف الأثر عنه، أو أن يفعل شيئا بعد أن لم يكن فعله، والمؤثر التام هو العلة وهو المولد، وقد يقولون: إن ذلك لا ينافي كونه مختارا؛ إذ اختياره للشيء المعين من لوازم ذاته، ولو لم يكن مؤثرا تاما امتنع منه الفعل، سواء قيل إنه تم أو لم يقل إنه تم، وإذا كان كذلك فالعلم بهذه المقدمات في حق الله لا سبيل لهم إليه، إلا بمجرد القياس الذي لا يصح؛ فإن واجب الوجود لا ند له ولا عدل له ولا مثل له، حتى يقال إنه [ ص: 247 ] بمنزلة ذلك المؤثر التام، والمنع متوجه على هذه المقدمات الثلاث، فلم قلتم: إنه إذا / كان كاملا في نفسه قادرا على الفعل بحيث لا يعجز عنه إذا أراده أنه يجب صدور الفعل عنه؟ غايتكم في هذا أن تمثلوا الله ببعض مخلوقاته، وتقيسوا عجزه ونقصه على عجز هذه المخلوقات ونقصها.

وقد أجابهم من أجابهم من المتكلمين كالرازي وغيره بجواب بنوه أيضا على القياس الفاسد. فقالوا لهم: قولكم: جميع جهات مؤثرية الباري في العالم لابد وأن تكون حاصلة في الأزل، ويلزم من ذلك امتناع تخلف العالم عنه، قلنا: هذا إنما يلزم إذا كان موجبا بالذات، أما إذا كان قادرا فلا، وقال هؤلاء قولا كليا: إن القادر لا يتوقف ترجيحه لأحد المثلين على الآخر على مرجح لوجهين:

أحدهما: أن الواحد من الناس إذا استوى في حقه إرادة الفعلين كالهارب إذا عن له طريقان متساويان في حقه، والجايع إذا قدم له رغيفان متساويان في حقه، فإنه يرجح أحدهما لا لمرجح.

الثاني: أن القادر إنما يفعل أحد المقدورين دون الآخر [ ص: 248 ] لإرادته له، والإرادة بنفسها مرجحة لأحد المقدورين وذلك صفة نفسية لها لا يجوز تعليلها بأمر خارج عنها، وهذه خاصية الإرادة، كما أن خاصية القدرة [كونها] بحيث يتمكن بها من الفعل، وخاصية العلم كونه بحيث يعلم به، فكذلك خاصية الإرادة كونها بحيث يخصص بها مقدور على مقدور، ومنهم من قال: ترجيح القادر بإرادته لابد له من ترجيح، ومنهم من ذكر الترجيح بالعلم، ومنهم من [ذكر] الترجيح بما في الفعل من الإحسان، ومنهم من ذكر الترجيح بالقدرة، وهو أنه كان ممتنعا.

التالي السابق


الخدمات العلمية