الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما نافي المحايثة للعالم مثل الرازي ونحوه فقد احتجوا على كونه ليس بحال في محل بما ذكره الرازي في نهايته فقال: - "المسألة الثالثة: في أنه لا يمكن أن يكون حالا في محل، ولنا فيه مسالك ثلاثة: الأول لو حل في محل لكان: إما أن يحل في أكثر من حيز واحد، أو يحل في حيز [ ص: 25 ] واحد"، وساق الحجة مختصرة، ومضمونها: أن الأول يستلزم أن يكون منقسما أو يكون الواحد في حيزين، والثاني يستلزم أن يكون بقدر الجوهر الفرد، وقد تقدم الكلام على هذه الحجة بعينها في نفي التحيز.

"المسلك الثاني: لو حل في جسم فإما أن يقال: إنه أبدا كان حالا فيه، فيلزم إما قدم المحل، أو حدوثه تعالى وهما باطلان. أو يقال: حل بعد أن لم يكن حالا فيه، وحينئذ إما أن يكون واجبا أو جائزا؛ فإن كان واجبا فذاك الوجوب، وإما أن [ ص: 26 ] يكون للمحل أو للحال أو الثالث. والأول باطل؛ لأن الأجسام متساوية في الماهية وجميع اللوازم على ما مر فلو اقتضى شيء منها حلول الله فيه لاقتضى الآخر مثل ذلك، فيلزم أن يحل الباري في كلها، فيلزم إما انقسام ذاته أو حلول الواحد في أكثر من محل، وأنهما محلان. والثاني باطل أيضا؛ لأن اقتضاءه للحلول إن لم يكن بشرط حدوث المحل كان حالا في المحل قبل حدوث المحل، وهذا محال. وإن كان بشرط حدوثه فعند حدوث الجواهر الكثيرة لم يكن بأن يحل في واحد منها أولى بأن يحل في غيره، فيعود المحال المذكور. والثالث أيضا باطل؛ لأن ذلك الثالث إن كان [ ص: 27 ] لازما للحال أو المحل عادت المحالات، وإن لم يكن لازما لها فهو إما موجب، وإما مختار والموجب لابد وأن يكون لا جسما ولا جسمانيا وإلا فليس اختصاصه بهذا الاقتضاء أولى من الاختصاص بسائر الأجسام بل يكون الجسم الذي [ ص: 28 ] هو محل أولى بذلك، ويعود المحال. وإن لم يكن ذلك الموجب جسما ولا جسمانيا فليس بأن يقتضي حلول الله في بعض الجواهر أولى من أن يقتضي حلوله في غيره، فيلزم أن يحل في كل الجواهر، فيعود المحال.

وأما إن كان مختارا فذلك المختار لا بد وأن يفعل فعلا وإلا [لما افترق الحال بين ما قبل الحلول وبين ما بعده، وذلك الفعل لا بد وأن يكون هو] الحلول أو ما يقتضي الحلول؛ لكن حلول الشيء في غيره ليس أمرا وجوديا حتى يصح أن يجعل أثرا للفاعل أو موجبا؛ لأن حلول الشيء في الشيء لو كان صفة موجودة لكانت تلك الصفة أيضا حالة في الشيء الذي صار حالا فيه، فيكون حلول الحلول زائدا عليه ولزم التسلسل.

[ ص: 29 ] فثبت أن القول بحلول الله في غيره يفضي إلى أقسام فاسدة، فيكون القول به فاسدا. فليس في النسخة ذكر القسم الآخر، وهو أن يكون جائزا، فلا أدري هل سقط من النسخة أم من التصنيف؛ ولكن ما ذكره يدل على نظيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية