الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الخامس: على أصل حجتهم أن يقال: أنتم طلبتم [ ص: 270 ] الموجب للتخصيص فيقال: إذا جعلتموه مولدا موجبا بذاته كان المحذور ألزم، ولزمكم من الجهل بعدم المخصص المرجح أعظم مما لزمكم من الجهل به على تقدير تخصيصه بمشيئته، وذلك أنه يقال: إذا كان العالم متولدا عنه لازما لذاته لا ينفك عن ذاته ولا يقدر على إزالة لزومه له وتولده عنه ولا على عدمه، كما هو قولكم، فما الموجب لكونه بهذه الصفة مع ما في ذلك من القصور والعجز والنقص؟ فإن كون الذات بحيث يلزمها غيرها ويتولد عنها، ولا ينفك عنها، ولا يقدر على دفع تولده ولزومه لها، ولو أراد أن يدفعه لم يستطع ولا يمكنه ذلك، لا ريب أنه أنقص من كون الذات تقدر على دفعه، وإن شاءت دفعه عنها دفعته ولو لم تكن أنقص؛ لكن كونه بهذا التولد وهذا الإيجاب وهذا الاقتضاء، وهذا الإحداث لابد له من موجب، فإن كونه كذلك نوع من الاختصاص؛ إذ تعقل وجود الذات الواجبة خالية عن هذا اللزوم والتولد، فلابد لهم أن يقولوا نفس الذات الواجبة بخصوصها لا يمكن أن يكون إلا كذلك على هذا الاقتضاء والتولد، فإنه لو أمكن أن يكون كذلك وأمكن أن لا يكون كذلك كان وجود أحد الممكنين متوقفا على مرجح، فإذا قالوا ذلك، قيل: من المعلوم أن كون ذاته من لوازمها أن تفعل إن شاءت، وتترك إن شاءت هو أعظم في القدرة والكمال من أن يكون من لوازمها الفعل الذي لا يقدر على تركه ولو شاءه.

ومن تدبر هذا وميزه حسم هؤلاء الذين بدلوا دين [ ص: 271 ] المرسلين، وغيروا فطرة الله التي فطر الناس عليها، وكل ما يسألون عنه من وجه خالقيته وفاعليته يلزمهم في وجه توليده أو محايثته أعظم منه، ومن هنا يظهر:

التالي السابق


الخدمات العلمية