الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تنبيه : قوله ( وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها . فإذا اكترى حنطة . فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع الدخن ونحوه ، ولا يملك الغرس ولا البناء ) . فإن فعل لزمه أجرة المثل ، وإن أكتراها لأحدهما لم يملك الآخر ، وإن أكتراها للغرس ملك الزرع . وهذا المذهب . وقال في الرعاية : وإن اكتراها لغرس أو بناء لم يملك الآخر . فإن فعل فأجرة المثل . وله الزرع بالمسمى . [ ص: 51 ] وقيل : لا زرع له مع البناء .

فائدة :

لو قال أجرتكها لتزرعها أو تغرسها : لم يصح . قطع به كثير من الأصحاب . لأنه لم يعين أحدهما . منهم المصنف ، والشارح . وقال في الرعاية الكبرى : وإن قال لتزرع أو تغرس ما شئت ، زرع أو غرس ما شاء . وقيل : لا يصح للتردد . انتهى . وإن قال : لتزرعها ما شئت ، وتغرسها ما شئت صح . قطع به المصنف ، والشارح ونصراه . وقالا : له أن يزرعها كلها ، وأن يغرسها كلها . وقال في الرعاية الكبرى : وإن قال : لتزرع ، وتغرس ما شئت ، ولم يبين قدر كل منهما : لم يصح . وقيل : يصح . وله ما شاء منهما . انتهى . وإن قال : لتنتفع بها ما شئت . فله الزرع والغرس والبناء كيف شاء . قاله في الرعاية الكبرى وغيره . واختاره الشيخ تقي الدين كما تقدم . وتقدم إذا قال : إن زرعتها كذا فبكذا ، وإن زرعتها كذا فبكذا . عند قوله " إن خطته روميا فبكذا ، وإن خطته فارسيا فبكذا " . وتقدم بعض أحكام الزرع ، والغرس ، والبناء في الباب عند قوله " وإجارة أرض معينة : لزرع كذا أو غرس ، أو بناء معلوم " فليعاود . فإن عادة المصنفين ذكره هنا . قوله ( فإن فعل فعليه أجرة المثل ) يعني : إذا فعل ما لا يجوز فعله من زرع ، وبناء ، وغرس ، وركوب ، وحمل ، ونحوه .

فقطع المصنف : أن عليه أجرة المثل . يعني للجميع . وهو اختيار أبي بكر قاله القاضي . [ ص: 52 ] واختاره أيضا ابن عقيل ، والمصنف ، والشارح . وجزم به في العمدة ، والشرح ، وشرح ابن منجا . وقدمه في الفائق . والصحيح من المذهب : أنه يلزمه المسمى ، مع تفاوتهما في أجرة المثل . نص عليه . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الفروع ، والمحرر . وهو قول الخرقي ، والقاضي ، وغيرهما . وكلام أبي بكر في التنبيه موافق لهذا . قاله في القواعد . وقال في الرعاية الكبرى : وإن أجرها للزرع ، فغرس أو بنى : لزمه أجرة المثل . وإن أجرها لغرس أو بناء لم يملك الآخر . فإن فعل فأجرة المثل . وإن أجرها لزرع شعير لم يزرع دخنا . فإن فعل غرم أجرة المثل للكل . وقيل : بل المسمى ، وأجرة المثل لزيادة ضرر الأرض . وقيل : هو كغاصب . كذا لو أجرها لزرع قمح فزرع ذرة ودخنا . انتهى . ذكره متفرقا . واستثنى المصنف وتبعه الشارح ، واقتصر عليه الزركشي من محل الخلاف : لو اكترى لحمل حديد . فحمل قطنا ، أو عكسه : أنه يلزمه أجرة المثل بلا نزاع .

قوله ( وإن أكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع ، فجاوزه . فعليه الأجرة المذكورة ، وأجرة المثل للزائد ) ذكره الخرقي . وهو المذهب . جزم به في المحرر ، والعمدة ، وتجريد العناية . وقطع به الأصحاب في الثانية . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وقال أبو بكر : عليه أجرة المثل للجميع . جزم به في الوجيز .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أن أبا بكر قاله في المسألتين ، أعني : إذا أكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع فجاوزه . [ ص: 53 ] والذي نقله القاضي عن أبي بكر ، ونقله الأصحاب منهم : المصنف في المغني . والشارح ، وصاحب الفروع ، وغيرهم إنما هو في مسألة من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه فقط . فلذلك قال الزركشي : ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي محمد في المقنع من وجوب أجرة المثل على قول أبي بكر فيما إذا اكترى لموضع فجاوزه ، ولا ما اقتضاه كلام ابن حمدان من وجوب ما بين القيمتين على قول ، وأجرة المثل على قول آخر . فإن القاضي قال : لا يختلف أصحابنا في ذلك . وقد نص عليه : الإمام أحمد . انتهى . والذي يظهر : أن المصنف تابع أبا الخطاب في الهداية . فإنه ذكر كلام أبي بكر بعد المسألتين ، إلا أن كلامه في الهداية أوضح . فإنه ذكر مسألة أبي بكر أخيرا . والمصنف ذكرها أولا . فحصل الإيهام . وقال المصنف في المغني ، والشارح : وحكى القاضي أن قول أبي بكر في مسألة من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه : وجوب أجر المثل في الجميع ، وأخذه من قوله فيمن استأجر أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة فقال " عليه أجرة المثل للجميع ; لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره . فأشبه ما لو استأجر أرضا زرع أخرى " قالا : فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر . وقالا : ينقل قول كل واحد من إحدى المسألتين إلى الأخرى ، لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في المسألة وجهان . قالا : وليس الأمر كذلك . فإن بين المسألتين فرقا ظاهرا . وذكراه . انتهيا .

قوله ( وإن تلفت ضمن قيمتها ) . قال المصنف : ظاهر كلام الخرقي وجوب قيمتها إذا تلفت به ، سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة ، وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن . وقطع به في المستوعب ، والحاوي ، والشرح وغيرهم . [ ص: 54 ] قال في الفروع : ويلزمه قيمة الدابة إن تلفت . قال الزركشي : لما قال الخرقي : وإن تلفت فعليه أيضا ضمانها ، يعني : إذا تلفت في حدة المجاوزة . قال في الوجيز : وإن تلفت ضمن قيمتها بعد تجاوز المسافة . قال في الهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، وغيرهم : وإن تلفت في حال زيادة الطريق ، فعليه كمال قيمتها . وقال القاضي : إن كان المكتري نزل عنها ، وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت : فلا ضمان على المكتري .

وقال المصنف أيضا : إذا تلفت في حال التعدي ، ولم يكن صاحبها مع راكبها : فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها . وكذا إذا تلفت تحت الراكب ، أو تحت حمله وصاحبها معها . فأما إن تلفت في يد صاحبها ، بعد نزول الراكب عنها . فإن كان بسبب تعبها بالحمل والسير : فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب . وإن تلفت بسبب آخر . فلا ضمان فيها ، وقطع به في الفروع وغيره . قال في القاعدة الثامنة والعشرين : ضمنها بكمال القيمة . ونص عليه في الزيادة على المدة . وخرج الأصحاب وجها بضمان النصف من مسألة الحد . قوله ( إلا أن تكون في يد صاحبها . فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين ) . وهما احتمالان مطلقان في الهداية . وأطلقهما في المذهب ، والمستوعب ، ومسبوك الذهب .

أحدهما : يضمن قيمتها كلها . وهو المذهب . وهو ظاهر كلام الخرقي ، [ ص: 55 ] والقاضي في التعليق ، والشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، وابن البنا ، والمجد . وقال أبو المعالي في النهاية : هذا المذهب . وجزم به في الوجيز ، والمجرد للقاضي . وقدمه في الخلاصة ، والفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والشرح .

والوجه الثاني : يضمن نصف قيمتها فقط . وقال في التلخيص : إن تلفت بفعل الله : لم يضمن . وإن تلفت بالحمل : ففي تكميل الضمان وتنصيفه وجهان . واختار في الرعاية : أنه إن زاد في الحمل : ضمن نصفها مطلقا . وإن زاد في المسافة : ضمن الكل إن تلفت حال الزيادة ، وإلا هدر . وعن القاضي في الشرح الصغير : لا ضمان عليه ألبتة . وقال القاضي أيضا : إن كان المكتري نزل عنها ، وسلمها لصاحبها ليمسكها أو يسقيها . فتلفت : لم يضمن . وإن هلكت ، والمكتري راكبها ، أو حمله عليها : ضمنها . ووافقه في المغني ، والفروع على ذلك ، إلا أنهما استثنيا ما إذا تلفت في يد مالكها بسبب تعبها من الحمل والسير كما تقدم . قال في التصحيح : يضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين . وفي الآخر : يضمن جميع قيمتها . وهو الصحيح إذا تلفت بسبب تعبها بالحمل والسير . ويأتي نظير ذلك إذا زاد سوطا على الحد ، ومسائل أخرى هناك . فيراجع في أوائل كتاب الحدود .

تنبيه : دخل في قوله ( إذا اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ) . لو اكتراها ليركبها وحده فركبها معه آخر . فتلفت . وصرح به في القواعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية