الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  غرض البخاري في هذا الباب إثبات نسبة الأفعال كلها إلى الله تعالى، سواء كانت من المخلوقين خيرا أو شرا، فهي لله خلق وللعباد كسب، ولا ينسب شيء من الخلق إلى غير الله تعالى، فيكون شريكا وندا ومساويا له في نسبة الفعل إليه، وقد نبه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة وغيرها، المصرحة بنفي الأنداد والآلهة المدعوة معه، فتضمنت الرد على من يزعم أنه يخلق أفعاله، والأنداد جمع ند بكسر النون وتشديد الدال، ويقال له النديد أيضا وهو نظير الشيء الذي يعارضه في أموره، وقيل: ند الشيء من يشاركه في جوهره، فهو ضرب من المثل لكن المثل يقال في أي مشاركة كانت، فكل ند مثل من غير عكس، وقال الكرماني: الترجمة مشعرة بأن المقصود من الباب إثبات نفي الشريك لله تعالى، فكان المناسب ذكره في أوائل كتاب التوحيد، وأجاب بأن المقصود ليس ذلك بل هو بيان كون أفعال العباد بخلق الله تعالى، وفيه الرد على الجهمية حيث قالوا: لا قدرة للعبد أصلا، وعلى المعتزلة حيث قالوا: لا دخل لقدرة الله فيها; إذ المذهب الحق أن لا جبر ولا قدر ولكن أمر بين [ ص: 177 ] الأمرين أي: بخلق الله وكسب العبد وهو قول الأشعرية، قيل: لا تخلو أفعال العبد إما أن تكون بقدرته، وإما أن لا تكون بقدرته; إذ لا واسطة بين النفي والإثبات، فإن كانت بقدرته فهو القدر الذي هو مذهب المعتزلة، وإن لم تكن بها فهو الجبر المحض الذي هو مذهب الجهمية، وأجيب بأن للعبد قدرة فلا جبر وبها يفرق بين النازل من المنارة والساقط منها، ولكن لا تأثير لها، بل الفعل واقع بقدرة الله وتأثير قدرته فيه بعد تأثير قدرة العبد عليه، وهذا هو المسمى بالكسب فقيل: القدرة صفة تؤثر على وفق الإرادة، فإذا نفيت التأثير عنها فقد نفيت القدرة لانتفاء الملزوم عند انتفاء لازمه، وأجيب بأن هذا التعريف غير جامع لخروج القدرة الحادثة عنه، بل التعريف الجامع لها هو أنها صفة يترتب عليها الفعل أو الترك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية