الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 381 ]

وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [الأنبياء : 83] .

[83] وأيوب أي : واذكره إذ نادى ربه لما ابتلي بفقد جميع ماله وولده ، وتمزيق جسده ، وكان برا تقيا رحيما بالمساكين ، مؤديا لحق الله ، شاكرا لأنعم الله ، وتقدم ذكر نسبه في سورة النساء ، وكان صاحب أموال عظيمة ، وكانت له الثنية جميعها من أعمال دمشق ملكها ، فابتلاه الله تعالى بأن أذهب أمواله حتى صار فقيرا ، ثم ابتلاه في جسده حتى تجذم ودود ، وبقي رميا على مزبلة لا يطيق أحد أن يشم رائحته ، ورفضه كل الناس غير زوجته رحمة بنت أفراييم بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام ؛ فإنها استمرت صابرة تخدمه حتى باعت ظفيرتها بشيء أكله ، فتزايا لها إبليس ، وقال لها : اسجدي لي لأرد مالكم ، فاستأذنت أيوب ، فغضب وحلف ليضربنها مئة ، ثم عافاه الله تعالى بعد ثلاث سنين ، أو سبع ، ورزقه ، ورد على امرأته شبابها وحسنها ، وولدت له ستة وعشرين ذكرا ، [ ص: 382 ] ولما عوفي ، أمره الله أن يأخذ عرجونا من النخل فيه مئة شمراخ ، فيضرب به زوجته رحمة ؛ ليبر في يمينه ، ففعل ، وكان أيوب نبيا في عهد يعقوب ، وعاش ثلاثا وتسعين سنة أني أي : بأني مسني الضر أي : الضرر والشدة . قرأ حمزة : (مسني الضر ) بإسكان الياء ، والباقون : بفتحها وأنت أرحم الراحمين وشكواه لم تخرجه عن الصبر ، ولذلك وصف بالصبر بقوله تعالى : إنا وجدناه صابرا [ص : 44] ؛ لأنها إلى الخالق بأوجز عبارة ، وألطف إشارة إلى أنه تعالى أهل أن يرحم ، وأيوب أهل أن يرحم ، وفي الحديث : "إذا أحب الله عبدا ابتلاه ؛ ليسمع تضرعه" .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية