الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : تمنع الإقالة في كراء الدور بعد النقد وسكنى بعض المدة ، بخلاف الإقالة في الحمولة بعد بعض الطريق ; لأنهما لا يتهمان على الحمولة في البيع والسلف ، بخلاف الدور ، وقال التونسي : إذا غاب في الحمولة على النقد جاز أن يحسب من الذي في الإقالة ، ويمتنع دفع الدراهم وما وجب له من الحمولة ، أو يأخذ دنانير ، فإن سار من الطريق ما ينفي التهمة جازت الزيادة منه إذا نقدها ; لئلا يكون دينا في دين ، ولا تجوز الزيادة بعد الغيبة على النقد ; لئلا يكون سلفا بزيادة ، ويجوز قبل النقد زيادة الدراهم والدنانير والعروض نقدا ; لأنه اشترى الركوب الذي وجب للمكتري بالدنانير التي وجبت له وبالزيادة ، وتمنع إلى أجل ; لأن المنافع دين عليه للمكتري فيفسخها [ ص: 466 ] في دين إلى أجل ، فإن زاد المكتري دنانير أو عروضا جاز ; لأن عليه حمولة أعطى بعضها دنانير ، وبقيتها الزيادة ، ويمتنع تأخير الزيادة ; لأنه أعطى ببعض ما عليه نقدا بحمولة على أن يؤخر بقية ما عليه ، فهو بيع وسلف ، وفسخ دين في دين ، إن أعطى عروضا إلى أجل أو نقد الكراء ولم يغب عليه . فزاد رب الدابة دنانير مع دنانيره أو عروضا ، جاز ; لأنه اشترى الحمولة بجميع ذلك ، وتمتنع زيادته إلى أجل ، وأما الكراء المعين إذا زاد المكري نفي جوازه قولان ; لعدم تعلقه بالذمة ، فيجوز أو يشبه بالمضمون لما كان في ضمان المكري ، قال صاحب المقدمات : الإقالة في المضمون كالإقالة في العروض المسلم فيها ، تفسد ، إما لاشتمالها على ما لا يجوز ، أو بضمها إلى الصفقة الأولى فيتهمان ، والإقالة في المعين : قيل : كالسلم الثابت في الذمة يعتبر فيه الوجهان المتقدمان ، وقيل : كالإقالة من العروض المعينة لا تعتبر فيها لانعقادها في نفسها على المحرم ، فإن استقال المكري في المضمون قبل النقد بزيادة مؤجلة امتنع اتفاقا ; لأنه تحول مما وجب له على المكتري إلى الركوب الذي عليه ، وإلى الزيادة المؤجلة ، فهو فسخ دين في دين إن كانت الزيادة عروضا ، وإن كانت دنانير : دخله عرض وذهب بذهب إلى أجل ، وإن كانت دراهم دخله الصرف المستأخر ، فإن كانت الزيادة دراهم معجلة ، والكراء دنانير : [ ص: 467 ] امتنع على مذهب ابن القاسم ، إلا أن يكون أقل من صرف دينار ، وقيل : يجوز أكثر من صرف دينار ، وهو على جواز جمع البيع والصرف ، وقيل : يمتنع وإن كان أقل من صرف دينار ، وقال ابن كنانة ، تمتنع الإقالة في المضمون مطلقا قبل النقد ، كالإقالة من السلعة الغائبة قبل النقد ، وإن استقاله بزيادة بعد النقد بعد أن تغيب عليه ، والزيادة درهم بثلاثة الأقوال المتقدمة ، أو عروضا جاز التعجيل والتأجيل ; لأن المكتري باع الركوب الذي وجب له ، والعروض بالكراء الذي يسترجعه ، وإن استقال المكتري بزيادة ولم ينقد ، أو نقد ولم يغب على النقد : فذلك جائز في الزيادة المعجلة ، دنانير أو دراهم أو عروضا ; لأن المكتري باع الركوب بالزيادة المعجلة والكراء المسترجع فلا مكروه مع النقد حينئذ ، وتمتنع استقالة المكري بعد النقد ، والغيبة عليه بزيادة كيف كانت خشية السلف بزيادة ، إلا أن يسير من الطريق ما يرفع التهمة فيجوز في الزيادة المعجلة ، فهذا تقدير اثنتي عشرة مسألة في إقالة المكري ، وهي : أن الزيادة إما قبل النقد أو بعده ، وبعده إما قبل الغيبة عليه أو بعدها ، ثم هي إما ذهب أو ورق أو عروض ، وإما معجلة أم لا ، وكذلك مسائل المكتري اثنتا عشرة على هذا التقدير ، كلها في الكراء المضمون ، وفي المعين أربعة وعشرون مسألة أيضا على ما تقدم ، فإن استقال المكري بزيادة نقدا عرضا جاز ، ويمتنع المؤجل ، وتمنع الزيادة ذهبا ، والكراء ذهبا ، إلا إلى محل أجل الكراء على المقاصة ، وتمتنع نقدا لأنه : ضع وتعجل ، وإلى أجل غير أجل الكراء امتنع أيضا ، وزيادة الدراهم تمتنع مطلقا ; لأنه صرف مستأخر على مذهب ابن القاسم ; لأنه يرى انحلال الذمم بخلاف انعقادها ، وعلى مذهب أشهب الذي يرى انحلال الذمم كانعقادها غير أنه يجوز التحول من الدين في كراء شيء بعينه ، وعلى من [ ص: 468 ] يرى رأي أشهب ، ويمتنع التحول من الذين في الركوب فيمتنع ; لأن المكري تحول من الكراء الواجب له على المكتري في ركوب لا ينتجز قبضه ، فهو فسخ الدين في الدين ، وإن استقال بزيادة عرض معجل جاز وإلا امتنع ; لأنه فسخ دين في دين ، وكذلك الذهب ، ويلاحظ هاهنا التخريج على المذاهب الثلاثة المتقدمة ، هذا إذا كان الكراء مؤجلا ، فإن كان نقدا بشرط أو عرف : فإما أن ينقد أم لا ، وإذا نقد : فإما أن يغاب عليه أم لا ، وتقسم هذه الأربعة إلى الأربعة والعشرين مسألة المتقدمة في المضمون ، ثمت في المضمون يفسخ الكراء في زيادة مؤجلة ( يزيدها المكتري هاهنا ، وما امتنع يفسخ الركوب المضمون . . . من المكري . . . ) امتنع في المعينة فتتخرج هذه على تلك ، والإقالة في الدور كالرواحل المعينة إلا في مسألة واحدة ، وهي أن يمضي بعض المدة لا أثر له بخلاف سير بعض المسافة ; لضعف التهمة في المسافة ، والإقالة في الأرضين كالدور إلا أن تكون غير مأمونة ، فإن الزيادة من المكري في الموضع الذي تصح فيه الإقالة ، على أن الزيادة منه لم يجز أن تنقد الزيادة ، وتكون موقوفة لاحتمال عدم الري فيفسخ الكراء .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية