الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            3- الجمع بين (المعاني) و (المباني):

            مع اهتمام جولن باللب لم يهمل الأشكال، ومع عنايته بالمعاني والجواهر لم ينس المباني والمظاهر، سواء في تحليله لعوامل السقوط، أو في تنظيره لعوائق النهوض.

            لقد لاحظ أن عوامل التخلف التي ظهرت في الدولة العثمانية، اجتمعت فيها المظاهر والمضامين، كالزي والفكر وفلسفة الحياة، والحس التاريخـي، والنظـام الأخلاقي، والفضائل والفن وغيرها، مما أدى إلى اهتـزاز الأواصر الروحية واجتفاف منابع الفضيلة، وتعميق الهوة بين الحاضر والماضي [1] .

            وحتى لا تتحول الحرية - التي هي طاقة الحركة في ميدان المتغيرات - إلى فوضى، فإن إيجاد الضوابط الفكرية والعملية لها هو الكفيل بعدم ارتكاسها في مضمار الحيوانية [2] .

            ومن المؤكد أن الضوابط لا تقف عند الإيمـان والضمير والأخلاق، بل تتعداها إلى القوانين والقواعد والإجراءات والمؤسسات.

            ويبدو اهتمامه بالتناغم بين الشكل والمعنى مبثوثا في رؤيته لكثير من القضايا والموضوعات، بما فيها ما قد يراه البعض غير جوهري في [ ص: 125 ] (استراتيجية) النهوض الحضاري، كالشعر مثلا، فإنه يدعو إلى عدم التضحية فيه بالشكل من أجل المعنى، ولا المعنى من أجل الشكل، ويحث على ارتباطهما كارتباط الروح بالجسد [3] . وفي مضمـار الفن سلك سبيلا قريبا مما فعله في الشعر والأدب [4] .

            ومن الأمور الأساسية التي استخدمها في تحويل خارطة الثوابت والمتغيرات إلى واقع منسجم ومساحات متناغمة: التربية، فهي النار التي تستخدم لتطهـير الإنسان من شوائبه حتى يصبح ذهبا خالصا، ولذلك نـجحت التربية في تحقيـق الوحـدة والتـآلف بين أفراد "الخـدمة"، ثم بينهم وبين الآخرين [5] .

            ومن اهتمامه بالمبنى، اهتمامه باللغة والشعر والأدب، والفن، والثياب، وفنون العمـارة، والعـادات والتقـاليد الأصيلة، فقد أولاها اهتماما كبيرا في عدد من كتبه، ولاسيما في كتاب (الموازين).

            وبالتأكيد فإن التوازن بين المبنـى والمعـنى لا يعني أبدا التسوية بينهما، فالمعنى أهم، ولذلك حث على القراءة المتدبرة للقرآن وليس مجرد التلاوة، وعلى إقامة الشعائر التعبدية وليس مجرد الأداء حتى تؤتي ثمارها المرجوة منها. [ ص: 126 ]

            ولهذا دعا في قضية التجديد إلى انصباب الاهتمام على الجوهر، وإن كانت العبارات توهم الانسلاخ تماما من القالب إلى اللب، ومن الشكل إلى الجوهر [6] ، غير أن القراءة الكلية لفكره، ومشاهدته في الواقع، تؤكدان الانسجام الشديد بين مكونات المشروع الحضاري لهذا المفكر الداعية، الذي جاء في غفلة من هذا الزمن الماكر.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية