الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            رابعا: المزاوجة بين الدنيا والآخرة:

            أسس القرآن الكريم لمبدأ المزاوجة بين الدنيا والآخرة في آيات كثيرة، مثل قوله تعالى: ( فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب ) (الشرح: 7-8). ومن تدابير الرحمن أن ترد هاتان الآيتان في سورة (الشرح)، فالآية الأولى تتحدث عن ملء الأوقات بالعمل الناصب لعمارة الدنيا، والآية الأخرى تؤسس لمبدأ الرغبة بما عند الله في الآخرة، كعلاج لداء الطمع الذي يدفع الإنسان للاستحواذ على حقوق الآخرين. بهذه المزاوجة يتحقق للإنسان (الانشراح) الدنيوي والسعادة الأخروية.

            وقد اهتم المفكران بتقرير حقيقة التوازن بين الدنيا والآخرة، حتى أن جولن يرى أن إحدى الغايات التي أرسل من أجلها الأنبياء: "تأمين التوازن بين الدنيا والآخرة" [1] . ولهذا أكثر كلاهما من الحديث عن الدنيا والآخرة بصورة متلازمة، بحيث يفهم القارئ أن الطريق لعمارة الآخرة هو عمارة الدنيا.

            ومضى مالك في ذات السبيل في كليات كتاباته، غير أن من يخوض في التفاصيل قد يظن أن اهتماماته الدنيوية أكبر من الاهتمامات الأخروية، والأمر غير ذلك، إذ أنه يربط بين الدارين، ولكن يبدو أن نمط التدين [ ص: 211 ] الانسحابي الذي كان يسـود في الجزائر، والذي يرى أصحابه أن عمارة الدنيا هو تخـريب للآخرة، كان هو السبـب في بروز الدعوات (المالكية) -نسبة إلى مالك بن نبي- لعمارة الدنيا أكثر من الآخرة.

            وتتزاوج كثير من المفردات ذات الصلة بالدنيا والآخرة في كتابات الرجلين، مثل: الإيمان (آخرة) والعمل (دنيا)، التوكل (آخرة) والأخذ بالأسباب (دنيا)، وهكذا.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية