الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            4- التعلم الذاتي:

            التعلم الذاتي في حياة جولن هو الأصل؛ لأنه لم يدخل التعليم النظامي إلا في المرحلة الابتـدائية، حيث لا يحمـل إلا الشهادة الابتدائية وفق نمط ما يسمى اليوم بالتعلم عن بعد، لكن هذا التوقف أعطاه طاقة للتعلم الذاتي أكثر من ذي قبل، فقد كان يسمع مسائل العلم من مجالس أبيه التي يرتادها علماء منطقته، وتعرف عبرهم على علماء آخرين، حرص على زيارتهم والتتلمذ على أيديهم، حتى تحصل على مبادئ العلوم الشرعية وعلوم اللغات والآداب العربية والتركية والفارسية، وأتقن ذلك كله بالقراءة الذاتية التي تجمع بين التوسع الأفقي والعمق الرأسي.

            وتجاوز ذلك إلى تعلم مبادئ بعض العلوم الحديثة، وبعض اللغات الأوربية، وقرأ أساطين الفلسفة والثقافة الغربيتين، بجانب أئمة الإسلام العظام في العقيدة والفلسفة والفقه والتصوف والحديث وغيرها من العلوم.

            وعبر هذه الجامعة المنـزلية: (القراءة) ظل يتعملق باستمرار حتى صار العلم الذي يشار إليه بالبنان من كل أنحاء تركيا، ثم من العالم الإسلامي كله، ثم أصبح يرى في كل بلدان العالم!!

            أما ابن نبي ورغم أنه تخرج من سلم تعليمي نظامي حديث إلا أنه كان يترقى عبر التعلم الذاتي، الموازي للتعليم النظامي الذي ابتدأه بكتاب القرآن، وانتهى إلى التتلمذ على بعض علماء (جمعية علماء الجزائر) وشيخها ابن باديس الذي قابله شخصيا، وأحبه كما أحب جولن بديع الزمان النورسي، مع فارق أن جولن لم يلتق بديع الزمان وأن مالك شق طريقه بمعزل عن ابن باديس. [ ص: 54 ]

            ومما عرفناه من قبل أن مالك تخرج من المعهد الجامعي سنة 1935م أي أن سنه كان حينها قد وصل إلى الثلاثين عاما، مما يعني أنه فقد ثمان سنوات من عمره، ومن يبحث عن تفاصيل هذه السنوات من المصادر الشحيحة عن حياته سيجد أنه قضاها في التتلمذ على أيدي العلماء وفي القراءة الذاتية، فقد كان شديد النهم للقراءة الشاملة. وعلى سبيل المثال فإنه رغم اتجاهه العلمي والفكري المبكر كان كثير القراءة في الأدب، حيث قرأ الشعر في عصوره الجاهلية والأموية والعباسية. وتأثر بشعر امرئ القيس والشنفري وعنترة والفرزدق والأخطل وأبي نواس، وبأصحاب المدرسة الحديثة كحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي، وشعراء المهجر وغيرهم.

            وقد تبحر في الثقافة الغربية حتى فاق بعض أبنائها، وهذا واضح من قاموس الأسماء الغربية التي اكتظت بها كتاباته وكتبه، كما أشرنا من قبل.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية