الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            1- التخلف الحضاري ثمرة (الوهن الداخلي) و (الغزو الخارجي):

            يبدو عند قراءة أدبيات جولن مدى وعيه الكامل بتضافر العوامل الداخلية والخارجية في صناعة الواقع السيء الذي تعيشه البلدان الإسلامية [1] .

            غير أن الموازنة لا تعني المساواة، فهو يرجح كفة العوامل الداخلية ويسميها - كمالك بن نبي - "القابلية للاستعمار"، ويرى الأولوية للخلاص منها حتـى لا تجد العوامل الخارجية محضنا دافئا وأرضا خصبة، مما يؤدي بالمجتمعات الإسلامية إلى رفضها ولفظها.

            ولم يكف عن ربط بعد المسلمين عن متن الحياة وما يسميه بالتوازن الدولي بالبعد عن القرآن: "وقد غدا قدرا مقدورا لا يتبدل للمسلمين المحرومين من بركة الوحي، احتياجهم إلى غيرهم في كل الميادين والساحات حتى غدوا شحاذين سألة في أبواب الآخرين، يرقبون ما في أيديهم. والحقيقة أن بداية التقهقر والانحطاط تتزامن مع انهيارنا الداخلي" [2] . [ ص: 130 ]

            ولهذا فإنه يستغرب بحث البعض عن عوامل التخلف خارج عالمنا الداخلي، حتى أنه قال ذات مرة بسخرية مريرة مضحكة - من باب شر البلية ما يضحك -: "ما من سبب يدعونا إلى البحث عن عدونا في الخارج لأن عدونا في داخلنا.. جالس في قصره، واضع إحدى ساقيه فوق الأخرى، يتطلع من الشباك على ضياعنا، ويضحك ضحكا مكتوما" [3] .

            وبهذا الرسم (الكاريكاتوري) والتصوير البديع يمضي لتشريح عوامل الخلل الداخلي، من أجل إقناع القراء بخطورة الوضع، وضرورة الالتفات إلى العوامل الداخلية في الإصلاح، ومن أجل تجديد الذات بعد كل هذه الغفلة والترهل والوهن.

            وفي هذا السياق استـمر في القـول: "إن العالم الإسلامي اليوم يعاني مما هو فيه من أمراض وعلل وفقر إلى حد البؤس، فلا بد له من انتفاضة ورجوع إلى ذاته، فروحه يكابد الذل، وعقله يعاني من القصور والضعف، وأعضاؤه تضطرب من العلل والأسقام، فلئن لم يسعف عاجلا ويضمد فورا فلربما يتدهور أكثر فأكثر" [4] .

            وهو دائما شديد التأثر وكثير البكاء لحال أمته التي تعاني من عشرات المعضلات، ولابد أن ألمه يشتد عندما يرى أن المسلمين هم المسؤول الأول عن آلام أمتهم، بل وصل حنقه إلى الدعاة عندما يراهم يضحكون وكأنهم غير [ ص: 131 ] مبالين بمآسي أمتهم، حتى أنه ذات مرة دعا طلبته - المقيمين معه في الطابق الخامس بإحدى المدارس التابعة للخدمة - وأمرهم بالمغادرة إلى ديارهم، لأنه رآهم يضحكون ويمرحون ويستسيغون النوم، كأن شيئا لم يقع [5] .

            ولاهتمامه البالغ بعوامل التخلف الداخلية، فقد تابع أستاذه بديع الزمان النورسي في الاعتقاد بأن أعداء الأمة ثلاثة: "الفقر والفرقة والجهل"، حتى أمكننا القول: إن هذا الثالوث عنده هو مثلث (برمودا) - الذي يقع في المحيط الأطلسي وقيل إنه يبتلع الطائرات والسفن - حيث يستهلك طاقات الأمة، ويعبث بمقدراتها، ويدفن مواهبها، ويحبط كل محاولاتها للنهوض الحضاري.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية