الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            3- التزام طريق التوازن منذ الصغر:

            وازن جولن بين سائر الثنائيات منذ طفولته المبكرة، عندما كان يضع لنفسه جدولا لأنشطته اليومية، فكان يوازن بين حق ربه وحق أسرته وحق [ ص: 52 ] مجتمعه، ويوازن في أخذه بين القلب والعقل، حيث يتردد على مجالس الفقه والعلوم الشرعية عامة، ويرتاد مجالس الذكر التي كانت تقيمها الطرق الصوفية.

            وجمع مالك في تلقيه للعلم بين العلوم التقليدية (الشرعية) والعلوم الحديثة (المادية أو الطبيعية)، فكان منذ البدء يدرس يوميا - كما أسلفنا - في كتاب قرآني وفي مدرسة فرنسية، وحتى خارج الدوام الرسمي كان يتتلمذ عند بعض علماء الشريعة، ويدرس بعض العلوم على أيدي بعض المدرسين الفرنسيين، فجمع لعلمه بين الأصالة والمعاصرة.

            واستمر هذا النظام في الابتدائية والإعدادية، وعندما نجح بتفوق وصار أهلا لدخول الثانوية في قسنطينة، ظل عامين قبل الالتحاق بالثانوية، يحاول الإبقاء على هذا التوازن، ولذلك توزعت دراسته - كما يقول أحد الباحثين [1] - في اتجاهين: عند الأستاذ مارتن في المدرسة الفرنسية، وعند الشيخ عبدالمجيد في الصباح في الجامع الكبير حيث يدرس اللغة العربية.

            ومع طغيان المادية أيام الاستعمار الفرنسي للجزائر وأيام العلمانية المتطرفة في تركيا، إلا أن الرجلين بسبب دور الأسرتين ولتوازنهما الذاتي الفطري، قد بقيا على علاقة وثيقة بالتيارات الروحية، حيث تعرف مالك على الطريقة العيساوية عن طريق عمه محمود في قسنطينة، ثم تعرف على جمعية علماء المسلمين بزعامة ابن باديس، وتعرف جولن على طريقة صوفية بعيدة عن البدع فنهل منها، ولذلك ظلت صورة الصوفية مشرقة في ذهنه.

            [ ص: 53 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية