الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            3- أهمية التجديد والانفتاح الحذر على الآخرين:

            بنفس المنهج العدلي المتوازن بين سائر القيم والأفكار، امتلك جولن تفريقا شديد السطوع بين: الغزو الثقافي الذي يرفضه والتفاعل الحضاري الذي ينشده ويحث عليه. [ ص: 137 ]

            غير أنه يؤكد دوما على جوهر القضية وهو الداخل، حتى في مسألة الاقتباس والاستفادة، حيث لابد من البدء بالطاقات الداخلية المصحوبة بالرؤية الثاقبة والخطة الدقيقة، مما يبرز الأسئلة التي نجد إجاباتها الشافية في الحضارة الغربية، ويظهر الثغرات التي لا نجد لبناتها إلا في تلك الحضارة، مع ضرورة التهيئة وحسن الاستيعاب والهضم، بحيث يساهم هذا الاقتباس في الحل، ولا يخلق مشكلة جديدة!

            ومن خلال استقراء جولن لتجارب الإقلاع الحضاري لاحظ أن كل الحضارات قامت على التفاعل بين الذات والخارج [1] .

            وبوعيه الأكيد بالإسلام أدرك أنه "منفتح على اقتباس ما يمكن اقتباسه من قيم الأمم الأخرى، فالإسلام يبحث عن كل فائدة ومصلحة حتى وإن كانت في أقصى بقاع الأرض يطلبها أنى يجدها. وكما اقتبس في الماضي من علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والهندسة والطب والزراعة والصناعة والتقنيات الأخرى أينما وجدها، ثم قومها وطورها وأودعها أمانة للأجيال الآتية، فكذلك اليوم أيضا يأخذ كل ما يمكن أخذه أينما وجده، وينميه ويطوره ويودعه أمانة للوارثين الجدد" [2] .

            وكما يوجب الاقتباس على الأمة، فإنه يوجبـه على الفرد، إذ يجب "أن يعرف كيف يستفيـد من كل المعلومات لمبدئه أو لنظامه أو لحياته، ولا يهمه مصدر هذه المعلومات ومن أي إنسان صدرت، وألا يهمل أبدا [ ص: 138 ] الاستفادة من أصحاب التجارب" [3] . ويوجب على أهل السنة والجماعة الاستفادة من سائر الطوائف، بل ومن الأمم والحضارات الأخرى [4] .

            وفي كل الأحوال فإنه يؤكد على الاقتباس المبصر الذي لا يتناقض مع ثقافتنا الذاتية وخصوصياتنا المحلية وعوالمنا الداخلية، ويضرب المثل بالتجربة اليابانية في هذا المضمار[5] .

            ولأن المسألة مسألة تفاعل حضاري، فإنه رغم الضعف الشديد للمسلمين في هذا الزمن، يلتفت كثيرا إلى مصادر القوة الموجودة في الإسلام والتي يحتاجها الغرب، ولاسيما في الجوانب الروحية والأخلاقية.

            وحتى في الجوانب السياسية فإنه يدرك ما يمتلـكه الإسـلام من كنوز لو أحسن المسلمون استخراجها واستثمارها. ولهذا رأى - على سبيل المثال - أن الديمقراطية الغربية يمكن أن تصل إلى ذروة الكمال "وأن تجلب المزيد من السعادة للإنسانية، وتستطيع المبادئ الإسلامية مثل المساواة والتسامح والعدالة أن تساعد الديمقراطية في تحقيق ذلك" [6] .

            وبهذا العدل والاعتدال قرأ جولن عوامل الضعف وعوائق النهوض، وبذات المنهج وازن في تفعيل طاقة التغيير بين الانفعال والفاعلية، موضوع الموازنة الرابعة. [ ص: 139 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية