الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            4- الجمع بين (المناهج) و (البرامج):

            مثلما جمع بتوازن بين المباني والمعاني، جمع بذات التوازن بين المناهج التي هي من الثوابت، وبين البرامج التي هي من المتغيرات. والبرامج هي الوسـائل والأسـاليب والآليات التي تحقق الغايات، وتجسـد القيم في واقع الحياة.

            ولأهمية البرامج في تطبيق المناهج وتحقيق المقاصد، فقد أوجب استخدام كافة الوسائل المشروعة للوصول إلى الهدف الجليل الذي يمليه الفكر الذاتي للأمة [1] ، وبدا للعيان أن فكره يوازن بين الأهداف وبين المشاريع والسياسات التي تحقق هذه الأهداف [2] .

            وفي ذات السياق دعا من يريدون الدولة والسلطة إلى التسلح بفكر سام يمنحهما الحياة في المجتمع ويغذيهما، وإلى برمجة كل شيء بموجب هذا [ ص: 127 ] الفكر، والالتفاف كخيوط المغزل حوله [3] ، ووصف مهندس الروح الرباني الذي يشعر بالمسؤولية نحو العالم كله بأنه "يخاصم الشرور التي تخفق العالم كله، وإنساننا خاصة، يقوم ويقعد مع آلام البرامج التي ينبغي إنجازها لدفع تلك الشرور... ولا يمل من ابتلاع حلول العثرات غصة بعد غصة، ولا يكل من مداهمة المعضلات، طافحا في حب جاد للواجب، وحرص على المسؤولية، وشعور بالإحسان... ويئن أنينا تحت مسؤولية إحياء الانسجام العام والحقيقة" [4] .

            وفي قراءته لقوله تعالى: ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) (النساء:114)، لفت الأنظار إلى إمكانية إيجاد مؤسسات مدنية مختلفة، غايتها تحصيل الرضا الإلهي لتحقيق هذه الأمور الثلاثة - الواردة في الآية السابقة - مع اشتراطه لوجود الشورى في هذه المؤسسات [5] .. وفي حديثه عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذكر أنه لم "تؤسس مؤسسات لتوفي هذه المهمة حقها بصورة منظمة، فالله سبحانه وتعالى يجعل ذلك المجتمع عاليه سافله، وهيهات أن يحظى ذلك المجتمع أو تلك الأمة بدوام البقاء" [6] . [ ص: 128 ]

            والأمور ذات الصلة بالبرامج والآليات كثيرة، ولهذا فإن المؤتمر الدولي - الذي انعقد في أكتوبر 2009م في القاهرة عن الإصلاح في العالم الإسلامي - خصص جلسة كاملة للبرامج والآليات التي استخدمها "تيار الخدمة" من أجل إحداث التغيير المطلوب [7] .

            وبسبب هذا العدل المتوازن بين المناهج والبرامج، فقد أوجد تلاميذه في "تيار الخدمة" مؤسسات ومشاريع في كل المجالات، باستثناء المجال السياسي الذي ما زال حتى الآن - على الأقل - يرفض الدخول في معمعته لعوامل عديدة ليس هذا المقام مقامها.

            وبالعدل بين الشريعتين القرآنية والفطرية امتلك أهل الخدمة رؤية التغيير، وتمكنوا من ناصية الإصلاح باتضاح خارطة الثوابت والمتغيرات في أذهانهم، لكن ذلك لا يعني تحقيق التغيير، إذ لابد من أمور أخرى، ومنها تحديد عوامل وعوائق التغيـير ومدى توزعـها بين الداخل والخارج، وهذا ما فعلوه، باستنادهم إلى رؤى أستاذهم كما في الثنائية الآتية.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية