الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في قوله تعالى فاذهب الآية هكذا وقع للمستملي، وفي رواية غيره: فاذهب إلى آخره، وقبله قوله قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب الآية، وأصل هذا أن موسى عليه السلام أمر قومه أن يجاهدوا ويدخلوا بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمن أبيهم يعقوب عليه السلام، كما أخبر الله عن ذلك قبل هذه الآية بقوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم الآية، فكان جوابهم إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها الآية فاذهب أنت وربك الآية.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما نزل موسى عليه [ ص: 202 ] السلام وقومه الأرض المقدسة، وجدوا فيها مدينة فيها قوم جبارون، خلقهم خلق منكر، بعث اثني عشر رجلا وهم النقباء الذين ذكرهم الله ليأتوا بخبرهم، فلقيهم رجل من الجبارين فجعلهم في كسائه، وحملهم حتى أتى بهم المدينة ونادى في قومه فاجتمعوا إليه، ثم قالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه فأخبروهم بما رأيتم، فقال لهم موسى عليه السلام: اكتموا هذا فلم يكتم إلا رجلان يوشع وكالب وهما المذكوران في قوله عز وجل قال رجلان من الذين يخافون الآية.

                                                                                                                                                                                  قيل: اسم هذه المدينة أريحا، وقال البكري: يقال لها أيضا: أريح. وفي حديث عكرمة، عن ابن عباس: دخل منهم رجلان حائطا لرجل من الجبارين، فأخذهما فجعلهما في كمه، وفي تفسير مقاتل كان في أريحا ألف قرية، في كل قرية ألف بستان، فلما دخلها النقباء خرج إليهم عوج بن عنق فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدي ملكهم واسمه مانوس بن ششورة، فلما نظر إليهم أمر بقتلهم، فقالت امرأته: أنعم على هؤلاء المساكين ودعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقا غير الذي جاؤوا منها، فأرسلهم فأخذوا عنقودا من كرومهم فحملوه على عمود بين رجلين فعجزوا عن حمله، وحملوا رمانتين على بعض دوابهم فعجزت الدابة عن حملها، فقدموا على موسى عليه السلام، وذكروا حالهم، وأن طول كل رجل منهم سبعة أذرع ونصف، وكانوا من بقايا قوم عاد يقال لهم: العماليق.

                                                                                                                                                                                  وعن مجاهد كان لا يقل عنقود عنبهم إلا خمسة رجال أو أربعة، وفي رواية علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس فأعطوهم حبة عنب تكفي الرجل.

                                                                                                                                                                                  قلت: المراد بالأرض المقدسة المذكورة دمشق وفلسطين وبعض الأردن. وقال قتادة: هي الشام كلها. وقال السهيلي: الأرض المقدسة هي بيت المقدس وما حولها، ويقال لها: إيليا وتفسر ببيت الله. وقال سفيان الثوري عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس: الأرض المقدسة هي الطور وما حوله.

                                                                                                                                                                                  قوله: فاذهب أنت وربك " يقال: الظاهر أنهم أرادوا حقيقة الذهاب؛ كفرا واستهانة بدليل مقابلة ذهابهم بقعودهم، وقال الزمخشري: يحتمل أن يعبر بالذهاب هنا عن القصد والإرادة كما تقول: كلمته فذهب يجيبني أي: قصد إجابتي. وقال الداودي: المراد بقوله: وربك " هارون عليه السلام; لأنه كان أكبر سنا من موسى عليه السلام، ورد عليه ابن التين بقوله: هذا خلاف قول أهل التفسير، وما أرادوا إلا الرب عز وجل، ولأجل هذا عوقبوا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية