الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4174 428 - حدثنا محمد، حدثنا عفان، عن صخر بن جويرية، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستن به، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استن استنانا قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يده أو إصبعه، ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثا، ثم قضى، وكانت تقول: مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "ثم قضى" وكانت تقول: مات، ومحمد شيخ البخاري مبهم، لكن الكرماني قال: قوله: "محمد" هو ابن يحيى الذهلي، وفي كتاب رجال الصحيحين محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري، روى عنه البخاري في غير موضع في قريب من ثلاثين موضعا، ولم يقل: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا، ويقول: حدثنا محمد ولا يزيد عليه، ويقول محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده، ويقول محمد بن خالد فينسبه إلى جد أبيه، والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه، مات بعد البخاري بيسير سنة سبع وخمسين ومائتين، وعفان -بفتح العين المهملة وتشديد الفاء- ابن مسلم الصفار، وصخر -بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة- ابن جويرية -مصغر الجارية بالجيم- النميري يعد في البصريين، وعبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يستن به" أي يستاك، وقال الخطابي: أصله من السن ومنه المسن الذي يسن عليه الحديد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فأبده" بالباء الموحدة المفتوحة وتشديد الدال، أي مد نظره إليه، يقال: أبددت فلانا النظر إذا طولته إليه، وفي رواية الكشميهني "فأمده" بالميم موضع الباء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقضمته" بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة، أي مضغته، والقضم الأخذ بأطراف الأسنان، يقال: قضمت الدابة بكسر الضاد شعيرها تقضمه بالفتح إذا مضغته، وحكى عياض أن الأكثر رواه بالصاد المهملة، أي كسرته وقطعته والقصامة من السواك ما يكسر منه، وحكى ابن التين رواية بالفاء والصاد المهملة، وقيل: إذا كان بالضاد المعجمة فيكون قولها: "فطيبته" تكرارا، وإن كان بالمهملة فلا؛ لأنه يصير المعنى: كسرته لطوله أو لأنه آلة المكان الذي تسوك به عبد الرحمن، ثم لينته، ثم طيبته أي بالماء ويحتمل أن يكون قوله "طيبته" تأكيدا لقوله: "لينته".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ونفضته" بالفاء والضاد المعجمة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فما عدا أن فرغ" أي: ما عدا الفراغ من السواك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "رفع يده" أو [ ص: 66 ] إصبعه شك من الراوي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حاقنتي" بالحاء المهملة وكسر القاف وهي النقرة بين الترقوة وحبل العاتق، وقيل: المطمئن من الترقوة والحلق، وقيل: ما دون الترقوة من الصدر، وقيل: هو تحت السرة. وقال ابن فارس: ما سفل من البطن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وذاقنتي" بالذال المعجمة وبالقاف، وهي طرف الحلقوم، وقيل: ما يناله الذقن من الصدر، وقال أبو عبيدة: والذاقنة جمع ذقن، وهو مجمع أطراف اللحيين، والحاصل أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - مات ورأسه بين حنكها وصدرها.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: هذا يعارض حديثها الذي قبل هذا أن رأسه كان على فخذها؟

                                                                                                                                                                                  قلت: يحتمل أنها رفعته عن فخذها إلى صدرها.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت) يعارضه ما رواه الحاكم وابن سعد من طريقه أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مات ورأسه في حجر علي - رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قلت: لا يعارضه ولا يدانيه؛ لأن في كل طريق من طرقه شيعيا، فلا يلتفت إليهم، ولئن سلمنا فنقول: إنه يحتمل أن يكون علي آخرهم عهدا به، وأنه لم يفارقه إلى أن مات، فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية