الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجزاف إن رئي [ ص: 477 ] ولم يكثر جدا ، وجهلاه ، وحزرا ،

التالي السابق


( و ) جاز بيع ( جزاف ) في المسائل الملقوطة الجزاف مثلث الجيم فارسي معرب ، وهو بيع الشيء بلا كيل ولا وزن ولا عدد . وحده ابن عرفة بأنه بيع ما يمكن علم قدره دون أن يعلم ، والأصل منعه وخفف فيما شق علمه يريد من المعدود وقل جهله من المكيل والموزون إذ لا تشترط المشقة فيهما ( إن رئي ) بضم فكسر أو بكسر الراء وسكون التحتية يليها همز ، أي أبصر حال البيع أو قبله ، واستمرا على معرفته إلى حين بيعه على مختار ابن رشد من جواز بيع الصبرة الغائبة برؤية متقدمة وهو قول ابن حبيب . ابن رشد لو كان المبتاع رأى الصبرة أو الزرع ثم اشترى ذلك صاحبه على رؤيته المتقدمة وهو غائب لجاز ذلك نص عليه ابن حبيب في الواضحة ، وفرق في المدنية من رواية ابن القاسم عن مالك رضي الله تعالى عنهما بين الصبرة والزرع القائم فمنع شراء الصبرة غائبة برؤية متقدمة ، وأجازه في الزرع القائم وهي تفرقة لا حظ لها في النظر فالله أعلم بصحتها .

ابن عرفة وجه المنع أنه يطلب في الصبرة معرفة قدرها زيادة على معرفة صفتها في الحرز حين العقد وللرؤية المقارنة له أثر في ذلك ، ويلزم مثله في الزرع الغائب . الحطاب [ ص: 477 ] الظاهر من المدنية أنه يغتفر عدم حضور الزرع والثمار حال العقد عليهما جزافا لظهور التغير فيهما إن حصل بعد الرؤية المتقدمة ، بخلاف الصبرة ونحوها ، فتبين أنه لا يشترط في الجزاف الحضور مطلقا على قول ابن حبيب الذي اختاره ابن رشد ، وإنما يشترط فيه الرؤية بالبصر سواء كانت مقارنة للعقد أو سابقة عليه ، وعلى ما في المدنية من رواية ابن القاسم عن مالك رضي الله تعالى عنهما يشترط في بيع الجزاف كله حضوره حين العقد ، ويستثنى منه الزرع القائم والثمار في رءوس الشجر ، فقد اغتفر فيهما عدم الحضور إن تقدمت الرؤية ، وبالثاني قرر الحطاب كلام المصنف فقال مراده بالمرئي الحاضر ، كما يفيده كلام ضيح ، ويلزم من حضوره رؤيته كله أو رؤية بعضه ; لأن الحاضر لا يباع بالصفة على المشهور إلا لعسر رؤيته ، كقلال الخل المختومة وفي فتحها مشقة وفساد ، فيجوز بيعها دون فتح .

ابن عرفة شرط رؤيته مع قبول غير واحد قول مالك " رضي الله عنه " فيها ، وكذلك حوائط التمر الغائبة يباع تمرها كيلا أو جزافا وهي على مسيرة خمسة أيام ، ولا يجوز النقد فيها بشرط وإن بعدت جدا كإفريقية من مصر فلا يجوز شراء تمرها فقط ; لأنه يجد قبل الوصول إليه إلا أن يكون تمرا يابسا متناف لاقتضائه جواز بيعها غائبة جزافا ، وفي كون الصفة تقوم مقام العيان في الحزر نظر . ا هـ . وأجيب بأنه لا منافاة ; لأنها إنما تباع برؤية متقدمة إذ لا يجوز بيع الجزاف بصفة قاله عياض ، وذكره ابن عرفة أيضا في موضع آخر .

( و ) إن ( لم يكثر ) المبيع كثرة ( جدا ) بكسر الجيم وشد الدال أي كثرة مانعة من حزر قدره بالكيل أو الوزن أو العد ، فإن كثر جدا منع بيعه جزافا لعدم حزره ، وإن قل جدا فإن كان موزونا أو مكيلا جاز بيعه جزافا ، وإن كان معدودا فلا يجوز بيعه جزافا .

( و ) إن ( جهلاه ) أي العاقدان المبيع أي وزنه وكيله وعدده احترز به عن علمه أحدهما لا عن علمهما لخروجهما حينئذ عن بيع الجزاف ( و ) إن ( حزرا ) أي العاقدان [ ص: 478 ] المبيع أي عرفا قدره بالحزر أي الظن وكانا معتادين للحزر ، ولذا أسقط المفعول ليؤذن بالعموم إن حزرا كل شيء أي اعتاداه وحزر المبيع بالفعل فلا بد من الأمرين .




الخدمات العلمية