الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 52 ] بخوف مؤلم : من قتل ، أو ضرب ، أو سجن أو قيد ، أو صفع لذي مروءة بملإ ، أو قتل ولده [ ص: 53 ] أو لماله . وهل إن كثر ؟ تردد

التالي السابق


والإكراه يتحقق ( بخوف ) أي غلبة ظن حصول شيء ( مؤلم ) بضم الميم وسكون الهمز وكسر اللام أي موجع حالا أو مآلا سواء هدد أو لم يهدد ، وطلب منه الحلف مع التخويف فإن بادر قبل الطلب والتهديد فقال اللخمي إكراه إن غلب على ظنه أنه إن لم يبادر يهدد وإلا فلا .

وظاهر كلام ابن رشد أنه ليس إكراها مطلقا ، وبين المؤلم فقال ( من قتل أو ضرب أو سجن ) بغير حق شرعي وإلا فليس إكراها ، وظاهر كلامه ولو قل الضرب أو السجن وبه جزم تت فقال عقب أو ضرب ولو قال ( أو قيد ) أي تقييد بحديد في رجليه مثلا ظاهره ولو قل ( أو صفع ) بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء أي ضرب بباطن كف على قفا ( ل ) شخص ( ذي ) أي صاحب ( مروءة ) بفتح الميم أي همة عالية ونفس كاملة ( ب ) حضرة ( ملإ ) بالقصر والهمز أي جماعة من الناس وإن لم يكونوا أشرافا على المعتمد في الفقه هنا . وكذا في اللغة واحترز به عن صفعه في خلوة فليس إكراها ولو لذي مروءة وقيده ابن عرفة باليسير وإلا فهو إكراه مطلقا . واحترز المصنف بقوله بخوف مؤلم من قول ابن عبد السلام وظاهر نصوص المذهب أن الإكراه إنما يكون بحصول الضرب أو الصفع لا بخوف وقوعهما ، وفهم من قوله ذي مروءة أن غيره ليس صفعه بملإ إكراها ، ومثله في الجواهر .

( أو ) بخوف ( قتل ولده ) ولو عاقا وكذا بعقوبة البار إن تألم بها كما يتألم بنفسه أو قريبا منه . ابن عرفة الشيخ عن أصبغ من حلف درءة عن ولده لزمته يمينه إنما يعذر في الدرأة عن نفسه ، وعن أبي القاسم اللبيدي إنكار قول أصبغ قائلا أي إكراه أشد من [ ص: 53 ] رؤية الإنسان ولده تعرض عليه أنواع العذاب ، وقال ابن شاس التخويف بقتل الولد إكراه فحمله ابن عبد السلام على خلاف المنقول في المذهب فذكر قول أصبغ والأظهر أنه ليس بخلاف لأن الأمر النازل بالولد قد يكون ألمه مقصورا عليه ، وقد يتعدى للأب فهو في غير قتله معروض للأمرين ، فقول أصبغ في القاصر على الولد وهو ظاهر قوله درءة عن ولده لا في المتعدي للأب ، لقوله إنما يعذر في الدرأة عن نفسه ، وقول اللبيدي إنما هو في المتعدي للأب . أما في قتله فلا يشك في لحوقه للأب والأم والولد ، والأخ في بعض الأحوال ، فلا ينبغي حمل ذلك على الخلاف بل على التفصيل بحسب الأحوال . ا هـ . وأجاب في التوضيح بأن ابن شاس قصد قتل النفس لا دونه أي وأصبغ قصد ما دونه ( أو ) يخوف الأخذ ( لماله ) أو إتلافه بكحرقه .

( وهل إن كثر ) المال الذي خاف عليه فإن قل فليس الخوف عليه إكراها قاله ابن الماجشون واستقر به ابن عبد السلام وصححه ابن بزيزة أو ولو قل قاله مالك رضي الله تعالى عنه وأكثر أصحابه ، ففي النوادر عنه لو أنه إن لم يحلف أخذ بعض ماله فهو كالخوف على البدن ، وقال أصبغ ليس الخوف عليه إكراها ( تردد ) للمتأخرين في جعل قول ابن الماجشون تفسيرا لقولي مالك وأصبغ رضي الله تعالى عنهما بحمل الأول على الكثير والثاني على القليل ، فالمذهب على قول واحد وهذا لابن بشير ومن وافقه ، وجعله خلافا لهما ففيه ثلاثة أقوال ، وهذا لابن الحاجب قال في التخويف بالمال . ثالثها إن كثر الأول لمالك ، والثاني لأصبغ والثالث لابن الماجشون




الخدمات العلمية