الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( الثانية : في النجش . وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليضر المشتري ) أفادنا المصنف رحمه الله أن بيع النجش صحيح ، وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب . وعنه : يبطل . اختاره أبو بكر . قاله المصنف . وقال في التنبيه : لا يجوز النجش . وعنه يقع لازما . فلا فسخ من غير رضا . ذكره في الانتصار في البيع الفاسد هل ينتقل الملك ؟ فعلى المذهب : يثبت للمشتري الخيار بشرطه ، وسواء كان ذلك بمواطأة من البائع أو لا . وهو المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وقيل : لا خيار له إلا إذا كان بمواطأة من البائع .

فائدتان

إحداهما : لو نجش البائع ، فزاد أو واطأ . فهل يبطل البيع ، وإن لم يبطله في الأولى ؟ فيه وجهان . وأطلقهما في الفروع ، والفائق .

أحدهما : لا يبطل البيع ، وهو الصحيح . وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب . وهو كالصريح في كلام المصنف ، والشارح . وقدمه الزركشي . وقال : هذا المشهور .

والوجه الثاني : يبطل البيع . قاله في الرعايتين . والحاويين . [ ص: 396 ] وعنه لا يصح بيع النجش ، كما لو زاد فيه البائع أو واطأ عليه . قال في الرعاية الكبرى : أو زاد زيد بإذنه في أصح الوجهين . وقدمه في المحرر . وجزم به في المنور ، وتذكرة ابن عبدوس .

الثانية : لو أخبر أنه اشتراها بكذا وكان زائدا عما اشتراها به : لم يبطل البيع وكان له الخيار . على الصحيح من المذهب . وقال في الإيضاح : يبطل مع علمه .

تنبيه :

قال في الفروع : وقولهم في النجش " ليغر المشتري " لم يحتجوا لتوقف الخيار عليه . وقال : وفيه نظير . وأطلقوا الخيار فيما إذا أخبر بأكثر من الثمن . لكن قال بعضهم : لأنه في معنى النجش . فيكون القيد مرادا . وشبه ما إذا خرج ولم يقصد التلقي . وسبق أن المنصوص الخيار . انتهى . قلت : قال في الرعاية : ويحرم أن يزيد في سلعة من لا يريد شراءها . وقيل : بل ليغر مشتريها الغر بها . [ وقال ابن منجا في شرحه : وزاد المصنف أن يكون الذي زاد معروفا بالحذق ولا بد منه . انتهى . ولم نره لغيره ] . وقال الزركشي : وزاد بعض أصحابنا في تفسيره ، فقال ، " ليغر المشتري " وهو حسن . انتهى .

فائدة :

قال الزركشي ، وغيره : حكم زيادة المالك في الثمن كأن يقول : أعطيته في هذه السلعة كذا ، وهو كاذب حكم نجشه . انتهى . قوله ( الثالثة : المسترسل ) . يثبت للمسترسل الخيار إذا غبن على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب . وهو عن المفردات . وعنه لا يثبت .

[ ص: 397 ] فوائد

الأولى " المسترسل " هو الذي لا يحسن أن يماكس . قاله الإمام أحمد . وفي لفظ عنه " هو الذي لا يماكس " . قال المصنف ، والشارح : هو الجاهل بقيمة السلعة ، ولا يحسن المبايعة . قال في التلخيص ، والنظم وغيرهما : هو الذي لا يعرف سعر ما باعه أو اشتراه . فصرحا أن " المسترسل " يتناول البائع والمشتري ، وأنه الجاهل بالبيع . كما قاله الإمام أحمد .

وقال في الرعاية الكبرى : هو الجاهل بقيمة المبيع ، بائعا كان أو مشتريا ، وقال في الفروع في باب خيار التدليس ، في حكم مسألة ، كما لم يفرقوا في الغبن بين البائع والمشتري : فتلخص أن المسترسل هو الجاهل بالقيمة ، سواء كان بائعا أو مشتريا .

قال ، في المذهب : لو جهل الغبن فيما اشتراه لعجلته . وهو لا يجهل القيمة : ثبت له الخيار أيضا . وجزم به في النظم . وقال في الرعاية الكبرى : لو عجل في العقد فغبن فلا خيار له . انتهى . وعنه يثبت أيضا لمسترسل إلى البائع لم يماكسه . اختاره الشيخ تقي الدين وذكره في المذهب .

وقال في الانتصار : له الفسخ ما لم يعلمه أنه غال ، وأنه مغبون فيه . انتهى . الثانية : قال المجد في شرحه : يثبت خيار الغبن إلى المسترسل في الإجارة كما في البيع ، إلا أنه إذا فسخ وقد مضى بعض المدة : يرجع عليه بأجرة المثل للمدة ، لا بقسطه من المسمى . لأنه لو رجع عليه بذلك لم يستدرك [ ظلامة الغبن . فارق ما لو ظهر على عيب في الإجارة ففسخ . فإنه يرجع عليه بقسطه من المسمى ، لأنه يستدرك ] ظلامته بذلك ، لأنه يرجع بقسطه منها معيبا . فيرتفع عنه الضرر بذلك قال المجد : نقلته من خط القاضي على ظهر الجزء الثلاثين من تعليقه . [ ص: 398 ]

الثالثة : الغبن محرم . نص عليه . ذكره أبو يعلى الصغير . وقدمه في الفروع . وجزم به في الفنون . وقال : إن أحمد قال أكرهه . وقال في الرعاية الكبرى : يكره تلقي الركبان . وقيل : يحرم . وهو أولى . انتهى .

الرابعة : هل غبن أحدهما في مهر مثله كبيع أو لا فسخ ؟ فيه احتمالان في التعليق للقاضي ، والانتصار لأبي الخطاب . وفي عيون المسائل منع وتسليم . ثم فرق ، وقال : ولهذا لا يرد الصداق عندهم وفي وجه لنا : بعيب يسير ويرد المبيع بذلك . قلت : الصواب أنه لا يفسخ . بل يقع العقد لازما . ويأتي قريب من ذلك في أواخر باب الشروط في النكاح ، وباب العيوب في النكاح .

الخامسة : يحرم تغرير مشتر ، بأن يسومه كثيرا ليبذل قريبا منه . ذكره الشيخ تقي الدين . واقتصر عليه في الفروع . وهو الصواب . قال الشيخ تقي الدين : وإن دلس مستأجر على مؤجر وغيره حتى استأجره بدون القيمة فله أجرة المثل . وفي مفردات ابن عقيل في المسألة [ الأولى ] كقوله ، وأنه كالغش والتدليس سواء . ثم سلم أنه لا يحرم .

السادسة : لو قال عند البيع " لا خلابة " فالصحيح من المذهب : أن له الخيار إذا خلبه . قدمه في الفروع . وقال المصنف وغيره : لا خيار له .

التالي السابق


الخدمات العلمية