الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ، ظاهرا أو باطنا . وإن فسخ الظالم لم ينفسخ في حقه باطنا . وعليه إثم الغاصب ) .

قال المصنف في المغني : ويقوى عندي أنه إن فسخ المظلوم منهما : انفسخ ظاهرا وباطنا . وإن فسخه الكاذب عالما بكذبه لم ينفسخ بالنسبة إليه . فوافق اختياره في المغني ما جزم به هنا . ووافقه ابن عبدوس في تذكرته . فقال : وينفسخ ظاهرا فقط ، لفسخ أحدهما ظلما ، ومطلقا لفسخ المظلوم . وقدمه الناظم فقال : وإن فسخ المظلوم يفسخ مطلقا وينفذ فسخ المعتدي ظاهرا قد ثم ذكر الخلاف . وقال في الوجيز : وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهرا وباطنا مطلقا . وينفذ فسخ المعتدي . فأدخل الظالم والمظلوم . وقدمه في الفروع . واختاره القاضي . ثم قال في الفروع ، وقيل : مع ظلم البائع وفسخه ينفسخ ظاهرا . وقيل : وباطنا في حق المظلوم . وقال في الرعايتين : ومع ظلم البائع وفسخه ينفسخ ظاهرا . وقيل : وباطنا . ومع ظلم المشتري وفسخه ينفسخ ظاهرا وباطنا . فيباع للبائع جميع التصرفات في المبيع . وقيل : لا ينفسخ باطنا . ومع فسخ المظلوم منهما ينفسخ ظاهرا وباطنا . انتهى .

وقال في الهداية : فإن انفسخ العقد . فقال شيخنا : ينفسخ ظاهرا وباطنا . فيباح للبائع جميع التصرفات في المبيع . [ ص: 451 ] وعندي : إن كان البائع ظالما انفسخ في الظاهر دون الباطن . لأنه كان يمكنه إمضاء العقد ، واستيفاء حقه . فإذا فسخ فقد تعدى . فلا ينفسخ العقد ، ولا يباح له التصرف . لأنه غاصب .

وإن كان المشتري هو الظالم : انفسخ العقد ظاهرا وباطنا . لأن البائع لا يمكنه استيفاء حقه بإمضاء العقد . فكان له الفسخ كما لو أفلس المشتري . انتهى .

وتابعه في المستوعب ، والكافي ، والتلخيص ، والحاوي الكبير ، والشرح . وقال في الخلاصة : وينفسخ في الباطن . وقيل : إن كان البائع ظالما لم ينفسخ في الباطن .

وقال في المذهب ، والبلغة : ومتى وقع الفسخ انفسخ ظاهرا وباطنا في حقهما في أحد الوجهين . وفي الآخر : إن كان البائع ظالما أنفسخ في الظاهر دون الباطن وهو كما قال في الخلاصة . إلا أنهما أطلقا . وقيد هو . وقال ابن منجا في شرحه ، عن كلام المصنف : وظاهر كلامه : الفرق بين الظالم والمظلوم ، سواء كان الظالم البائع أو المشتري . ولم أجد نقلا صريحا يوافق ذلك ، ولا دليلا يقتضيه . بل المنقول في مثل ذلك وذكر كلام القاضي وأبي الخطاب . انتهى . وهو عجيب منه . فإن المسألة ليس فيها منقول صريح عن الإمام أحمد رحمه الله حتى يخالفه . بل المنقول فيها عن الأصحاب . وهو من أعظمهم . وقد اختار ما قطع به هنا في المغني . فقال : ويقوى عندي ذلك . وجزم به ابن عبدوس في تذكرته . وقدمه في النظم . وذكره قولا في الفروع ، والرعايتين . وقوله " ولا وجدت دليلا يقتضيه " غير مسلم . فإن فسخ المظلوم ظاهرا وباطنا ظاهر الدليل . وهو ظاهر كلام الإمام أحمد . واختاره القاضي وغيره . وأما فسخ الظالم للعقد : فإنه لا يصح بالنسبة إليه . لأنه لا يحل له الفسخ . فلم يثبت حكمه بالنسبة إليه . [ ص: 452 ] وهذه عادة ابن منجا في شرحه مع المصنف ، إذا لم يطلع على منقول بما قاله المصنف اعترض عليه . وهذا ليس بجيد . فإن الاعتذار عنه أولى من ذلك . والمصنف إمام جليل ، له اختيار واطلاع على ما لم يطلع عليه .

إذا علمت ذلك : فالصحيح من المذهب في حكم المسألة : أن العقد ينفسخ ظاهرا وباطنا مطلقا . كما جزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في الفروع ، والخلاصة . واختاره القاضي . وقال : هو ظاهر كلام الإمام أحمد .

واختار أبو الخطاب : إن كان البائع ظالما انفسخ في حقه ظاهرا لا باطنا . وإن كان المشتري ظالما انفسخ ظاهرا وباطنا . وقدمه في الرعايتين . وأطلقهما في المذهب ، والبلغة . واختيار المصنف قول ثالث . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية