الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والتوسل بدعائه وشفاعته هو التوسل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه ، وهو معنى التوسل به عندهم ، كما قد بين ذلك حديث عمر وحديث الأعمى . ولكن من الناس من ظن أن المراد بلفظ التوسل به هو التوسل بذاته أو الإقسام بذاته ، وهذا غلط على الصحابة .

وأما كلام العلماء في أن ذلك مشروع أو لا؟ فقد ذكر السائل النقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أن ذلك منهي عنه ، [ ص: 115 ] وما ذكره عن أبي محمد بن عبد السلام يوافق ذلك . وأما استثناؤه الرسول إن صح حديث الأعمى ، فهو -رحمه الله- لم يستحضر الحديث بسياقه حتى يتبين له أنه لا يناقض ما أفتى به ، بل ظن أنه يدل على محل السؤال ، فاستثناه بتقدير صحته . والحديث صحيح ، لكن لا يدل على هذه المسألة كما تقدم .

وأما ما نقله السائل عن القشيري فأجنبي عن هذه المسألة ، لا يدل عليها بنفي ولا إثبات .

وقد ذكر المروذي في منسكه عن الإمام أحمد بن حنبل أن الداعي المسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوسل به في دعائه . فهذا النقل يجعل معارضا لما نقل عن أبي حنيفة وغيره .

ونقل أيضا عن عثمان بن حنيف أنه أمر رجلا بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو بهذا الدعاء ، لكن لم يقل فيه : "اللهم فشفعه في" .

وقد تكلمت على إسناد ذلك ، وهل هو ثابت أم لا؟ وبسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع ، وبينت أنه [على] تقدير ثبوته يكون معارضا لما فعله عمر بمحضر من المهاجرين والأنصار ، وإذا كانت مسألة نزاع ردت إلى الله والرسول .

وما نقل عن أحمد رضي الله عنه فإنه يشبه ما نقل عنه من جواز الإقسام برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه يجب بذلك الكفارة ، فإن الإقسام به [ ص: 116 ] في اليمين كالإقسام به على الله ، وكالتوسل بذاته .

وهذه الرواية عن أحمد لم يوافقها [أحد] من الأئمة ، بل جمهور الأئمة على الرواية الأخرى عنه ، وهو أنه لا يشرع الحلف بمخلوق لا النبي ولا غيره ، ولا يجب بذلك كفارة . وتلك الرواية اختارها طائفة من أصحابه ونصروها في الخلاف ، كالقاضي والشريف أبي جعفر وابن عقيل وغيرهم . ثم أكثر هؤلاء يقولون : هذا الحكم مختص به ، لكون الإيمان به بخصوصه ركنا في الإيمان ، لا يتم الإيمان إلا بالشهادتين . وذكر ابن عقيل أن حكم سائر الأنبياء كذلك في انعقاد اليمين بالحلف بهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية